الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حول حديث " اتركوا الحبشة ما تركوكم "

295487

تاريخ النشر : 22-04-2019

المشاهدات : 69010

السؤال

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي قال: " اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة " رواه أبو داود . هل يصح هذا الحديث؟ لا أحد سوى الحبشي يمكن أن يهاجم الكعبة ، لكن في الماضي ، تعرضت الكعبة للهجوم عدة مرات. هل هذه نبوءة خاطئة؟

الجواب

الحمد لله.

فقد تضمن السؤال نقطتين :

النقطة الأولى : حول درجة حديث : اتركوا الحبشة ما تركوكم   .

وجواب ذلك:

أن الحديث حسن بمجموع طرقه ، وبيان ذلك كما يلي :

الحديث رُوي عن أربعة من الصحابة ، وهم ( عبد الله بن عمرو ، أبي هريرة ، عمرو بن عوف المزني ، رجل من الصحابة لم يسم ) .

الطريق الأول : حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .

أخرجه أبو داود في "سننه" (4309) ، وأحمد في "مسنده" (23155) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2912) ، والبزار في "مسنده" (2355) ، والحاكم في "المستدرك" (8396) ، جميعا من طريق زهير بن محمد ، عن موسى بنِ جُبير، عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيفٍ ،

عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلم – قال:  اتركوا الحبشةَ ما تركوكم ، فإنه لا يستخرِجُ كَنزَ الكعبةِ إلاَّ ذو السُّوَيْقَتَينِ من الحبشة  .

وفي بعض الطرق ، قال :" عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : سمعت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " . فلم يسم الصحابي .

والحديث إسناده ضعيف ، لجهالة حال موسى بن جبير .

فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (10882) ، وقال :" يخطئ ويخالف " ، ووثقه الذهبي في "الكاشف" (5687) ، ، وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/257) :" حال موسى بن جبير لا تعرف " . انتهى ، وقال الزركشي في "التذكرة في الأحاديث المشتهرة" (ص205) ، وابن حجر في "تقريب التهذيب" (6954) :" مستور ". انتهى

وأما زهير بن محمد التميمي : فهو صدوق ؛ إلا أن في رواية الشاميين عنه نكارة ، ورواية العراقيين عنه صحيحة ، نصّ على ذلك الإمام البخاري رحمه الله .

قال الترمذي في "العلل الكبير" (ص395) :" قَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَادِيثُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , مُقَارِبَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ ، وَلَكِنِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَأَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَأَهْلُ الشَّامِ : يَرْووُنَ عَنْهُ مَنَاكِيرَ ". انتهى

ونصّ الإمام أحمد على أن رواية عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر العقدي عن زهير بن محمد مستقيمة ، نقله المزي في "تهذيب الكمال" (9/417).

وهذا الطريق رواه عن زهير عبد الرحمن بن مهدي كما في "مسند الإمام أحمد" (23155) ، وأبو عامر العقدي كما في "سنن أبي داود" (4309) ، وكلاهما من أهل البصرة .

الطريق الثاني : عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

أخرجه أبو داود في "سننه" (4302) ، والنسائي في "سننه" (3276) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (18597) ، من طريق أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ ، عَنْ أَبِي سُكَيْنَةَ ، رَجُلٍ مِنَ الْمُحَرَّرِينَ ، عَنْ رَجُلٍ ، مَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  دعوا الحَبَشة ما وَدَعُوكم ، واتركوا التُّرك ما تَركوكم  .

وإسناده ضعيف أيضا ، لجهالة حال أبي سكينة .

قال فيه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (2/348) :" أبو سكينة : اسمه زياد بن مالك ، ولم أسمع فيه بتجريح ولا بتعديل ". انتهى ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/93) :" شيخ مستور ، ما وثق ولا ضعف ، فهو جائز الحديث ، روى عنه جعفر بن برقان ، وأبو بكر بن أبي مريم ، تفرد بحديث: دعوا الحبشة ما ودعوكم ". انتهى

الطريق الثالث : عن أبي هريرة رضي الله عنه .

أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (764) ، من طريق ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ:  اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَخْرِجُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ إِلَّا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ  .

وإسناده ضعيف ، لإبهام الواسطة بين ابن جريج ، وصالح بن أبي صالح .

والحديث حسن بمجموع هذه الطرق الثلاث ، حيث إن علة الضعف في الطريق الأول : هي جهالة حال موسى بن جبير ، وهو من طبقة أتباع التابعين ، وعلة الضعف في الطريق الثاني هي جهالة حال أبي سكينة ، وهو من طبقة كبار التابعين .

ومعلوم أن مجهول الحال ، في طبقة التابعين : لا يرد حديثه إلا إذا كان فيه نكارة أو خولف ، فإن توبع ، كما هو الحال هنا فالحديث يكون حسنا إن شاء الله .

قال الإمام الذهبي في "ديوان الضعفاء" (ص478) :" وأما المجهولون من الرواة : فإن كان الرجل من كبار التابعين ، أو أوساطهم : احتمل حديثه ، وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول ، وركاكة الألفاظ .

وإن كان الرجل منهم ، من صغار التابعين : فيُتأنى في رواية خبره ، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحريه ، وعدم ذلك .

وإن كان المجهول من أتباع التابعين ، فمن بعدهم : فهو أضعف لخبره سيما إذا انفرد ". انتهى

ولأجل ذلك : فإن الحديث حسنه الشيخ الألباني بطرقه كما في "السلسلة الصحيحة" (722) .

الطريق الرابع : عن عمرو بن عوف المزني .

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/195) ، من طريق عَبد اللَّه بن نافع ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبد اللَّهِ المزني ، عن أبيه ، عَن جَدِّهِ ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  اتْرُكُوا هَؤُلاءِ الحبشة ما تركوكم  .

وإسناده تالف ، فيه " كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني " ، كذّبه أبو داود كما في "تهذيب الكمال" (24/138) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/221) :" مُنكر الحَدِيث جدا يروي عَن أَبِيه عَن جده نُسْخَة مَوْضُوعَة ، لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب ، وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا على جِهَة التَّعَجُّب .

وَكَانَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقُول : كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ ركن من أَرْكَان الْكَذِب ". انتهى

فتبين مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طرقه الثلاث الأُول .

وأصل الحديث ثابت بأن تخريب الكعبة سيكون على يد ذي السويقتين رجل من الحبشة

والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" (1591) ،  ومسلم في "صحيحه" (2909) ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ  .

النقطة الثانية :

وهي ما فهمه السائل من الحديث : أنه لا أحد يمكنه أن يهاجم الكعبة سوى الحبشي ، فكيف وقد تعرضت الكعبة للهجوم أكثر من مرة ؟

وجوابه :

أن الحديث لم يفد أبدا هذا المعنى ، ولا يدل عليه ، وإنما يُثبت أن من سيستخرج كنز الكعبة ، ويخربها : هو ذاك الحبشي ، وهذا لا ينفي تعرضها للهجوم قبل ذلك الحدث .

ومعلوم أنها تعرضت للهجوم على يد الحجاج بن يوسف الثقفي ، وإن كان لم يقصد الكعبة بالهدم ، ثم تعرضت للهجوم من قبل القرامطة .

لكن الذي تدل عليه الأحاديث : أن خراب الكعبة في آخر الزمان سيكون على يد هذا الحبشي .

قال أبو الطيب المكي في "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" (1/176) :

" وجزم السهيلي بأن تخريب الحبشي للكعبة يكون بعد رفع القرآن ، وذلك بعد موت عيسى عليه السلام ، على ما ذكر ابن جماعة . قال: وصححه بعض العلماء المتأخرين ، ونقل عن الحليمي أن ذلك في زمن عيسى عليه السلام ". انتهى

وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (19/242) :"  لِأَنَّ الْكَعْبَةَ يَحُجُّهَا النَّاسُ ، وَيَعْتَمِرُونَ بِهَا ، بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهَلَاكِهِمْ ، وَطُمَأْنِينَةِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ أَرْزَاقِهِمْ فِي زَمَانِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَيَقْبِضُ بِهَا رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ، وَيُتَوَفَّى نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ثُمَّ يَكُونُ خَرَابُ الْكَعْبَةِ عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا ". انتهى

فلعله قد اتضح المعنى بهذا البيان ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كلام الصدق ، لا ينطق عن الهوى .

والواجب على المسلم إذا جاءه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث أن يظن به الذي هو أهدى وأتقى .

ففي الحديث الذي رواه أحمد في "مسنده" (986) ، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : " إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا ، فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْيَاهُ ، وَأَهْدَاهُ ، وَأَتْقَاهُ " .

وإسناده صحيح .

رزقنا الله وإياكم حسن الاتباع ، وحفظ الله بيته الحرام من كل سوء ، آمين .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب