الحمد لله.
رويت بعض الأحاديث في الحث على التسمية في كل أمر ذي بال، لكن كثيرا من العلماء حكموا بضعف هذه الأحاديث .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" حديث: ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر ). رواه الخطيب، والحافظ عبد القادر الرهاوي )...
الحديث بهذا اللفظ ضعيف جدا، فلا تغتر بمن حسنه، فإنه خطأ بين... لما في سنده من الضعف الشديد " انتهى من "إرواء الغليل" (1 / 29 – 30).
وقد صحح الحديث جماعة من العلماء كابن دقيق العيد ، وابن الملقن ، وحسنه النووي ، وحسنه الحافظ ابن حجر نقله عنه في "الفتوحات الربانية" (3/289) .
واختار الحافظ في "الفتح" (8/220) بعد أن ذكر أن المشهور في الحديث لفظ (بحمد الله) ، اختار أن من الأعمال ما يبدأ فيها بحمد الله كالخطبة ، ومنها ما يبدأ بالتسمية كاملة ، كالمراسلات ، وبعضها بـ (باسم الله) كالجماع والذبيحة ، وبعضها بلفظ من الذكر المخصوص كالتكبير .
وعلى ذلك يقال في مشروعية البسملة قبل الشروع في كل عمل:
إن صح الحديث في استحباب ذلك: فالأمر واضح .
وإن كان ضعيفا ، فقد ذهب إلى العمل به أكثر العلماء ، وذكروا أن التسمية مشروعة في كل عمل مهم .
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (8 / 92):
" اتفق أكثر الفقهاء على أن التسمية مشروعة لكل أمر ذي بال، عبادة أو غيرها " انتهى.
ومما يدل على مشروعيتها واستحبابها: إرشاد الشرع إليها في أمور كثيرة، من عبادات وعادات، مما يفهم أن الشروع في أي عمل أو قول مباح ذي بال هو محل لاستحباب التسمية.
ومما استدلوا به على تأكيد هذا العموم في جميع الأحوال الهامة حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ رواه البخاري ( 141)، ومسلم (1434).
وبوّب عليه البخاري رحمه الله تعالى بقوله: " بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الْوِقَاعِ ".
وعلّق عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى؛ بقوله:
" وليس العموم ظاهرا من الحديث الذي أورده، لكن يستفاد من باب الأولى؛ لأنه إذا شرع في حالة الجماع، وهي مما أمر فيه بالصمت؛ فغيره أولى " انتهى من"فتح الباري" (1 / 242).
وقال ابن بطال رحمه الله تعالى:
" وفيه: أن التسمية عند ابتداء كل عمل مستحبة، تبركا بها واستشعارا أن الله سبحانه هو الميسر لذلك العمل، والمعين عليه " انتهى من "شرح صحيح البخاري" (1 / 230).
ومن المعلوم كذلك: أن العبد مأمور باستدامة توكله على الله تعالى والاستعانة به في شأنه كله .
والتسمية هي من صيغ الاستعانة التي جاءت بها نصوص الشرع عند الشروع في أي قول أو عمل ذي قيمة ، كما يدل عليه كلام ابن بطال السابق .
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" ندب الشرع إلى ذكر البسملة في أول كل فعل، كالأكل والشرب والنحر، والجماع والطهارة وركوب البحر، وإلى غير ذلك من الأفعال، قال الله تعالى: ( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه )، ( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أغلق بابك، واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك، واذكر اسم الله، وخمر إناءك، واذكر اسم الله، وأوك سقاءك، واذكر اسم الله ). وقال: ( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا ). وقال لعمر بن أبي سلمة: ( يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك )، وقال: ( إن الشيطان ليستحل الطعام إلا أن يذكر اسم الله عليه )، وقال: ( من لم يذبح، فليذبح باسم الله ). وشكا إليه عثمان بن أبي العاص وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ضع يدك على الذي يألم من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ).
هذا كله ثابت في الصحيح... " انتهى من "تفسير القرطبي" (1 / 151 – 152).
وطالع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (146079).
والله أعلم.
تعليق