الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

في بيان أقوال المحدثين في " هشام بن حجير " .

296173

تاريخ النشر : 17-04-2019

المشاهدات : 10431

السؤال

هناك فتنة في الأمة بسبب الاختلاف في ما إن كان هشام بن حجير من الرواة الثقات أم لا. فهل يمكنكم تبيان الجرح والتعديل للراوي هشام بن حجير من وجهة نظر كافة العلماء الكبار أمثال الإمام أحمد والإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أبي حنيفة والإمام النووي والإمام الذهبي، وكافة فطاحل علماء الجرح والتعديل. وما الموقف النهائي لكل عالم من العلماء بشأن هذا الراوي. وشرح سبب تصنيف العلماء هذا الراوي بلغة يستطيع المسلم العادي فهمها. وكذلك الخلاصة وكيفية تناول المسلم العادي لمثل هذه القضايا.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

هون عليك ، يا عبد الله ؛ فالأمر أيسر من ذلك .

هون عليك ؛ فإن الجماء الغفير ، والجمهور الأعظم ، بل عامة المسلمين ، شرقا وغربا : لم يسمع أحد منهم ، في حياته قط : عن هذا الراوي الذي تذكره ( هشام بن حجير ) .

ولو سألت ألف رجل وامرأة تلقاهم ، ما درى من الألف فيهم واحد ، عن ابن حجير ...

ولو حبستهم في غرفة ، وقلت لهم : تشاجروا ، إن شئتم ، أو تصالحوا ، حول هشام ... ما نظروا في أمره أصلا ، ولانشغلوا بأمر آخر يعرفونه ...

هون عليك ، فليس كلما اختلف أهل العلم في شيء ، أو في مسألة من مسائل العلم ، ودقيقه ، صلح أن يدخل فيها عامة الناس ، أصلا ، فضلا عن أن يخترع لهم صراع ، وشجار حولها ؛ فما لعامة المسلمين ، ولهشام بن حجير ؟

إنما هذه مسألة من دقائق علم الحديث ، أن يعرف الراوي ، وحاله ، ولا يشتغل بذلك ، ولا يعتني به ، إلا المختصون في ذلك العلم ، الذي يعرفون : كيف تكون ثمرة الوفاق ، أو الخلاف في هذا الراوي ، وأمثاله .

وأما أن يتكلف ذلك : من لا يعرفه ، ولا يحسنه ، ولا يقف له على زمام ، من خطام : فتلك بلية ، نعوذ بالله من شرها .

ثم : أن يزيد هؤلاء المتكلفون ، فيتشاجرون ، ويفتتنون ، بما لا يفهمون ؛ فتلك الداهية الدهياء ، والبلية الصماء ، وداء ، ليس له من دواء ؛ إلا أن ينصحوا لأنفسهم ، ويتوبوا إلى ربهم ، من الشجار ، وفساد ذات البين ، في أمر تكلفوه ، وليس من شأنهم أصلا ؛ فضلا عن أن يختلفوا حوله ، فضلا عن أن يتشاجروا ... أو يفتتنوا !!

وقد قال أبو حامد الغزالي ، رحمه الله :

لو سكت من لا يدري ؛ لقل الخلاف !!

فلو سكت هؤلاء ، لكان خيرا لهم ، وأقوم سبيلا !!

فاللهَ اللهَ ، في أنفسكم ، وفي دينكم ، وفي صلاح ذات بينكم !!

ثانيا :

هشام بن حجير ، من أهل مكة ، وكان فقيها .

في "العلل" لأحمد (825) :" قَالَ ابن عُيَيْنَة : قَالَ ابن شبْرمَة لَيْسَ بِمَكَّة أفقه مِنْهُ ، يَعْنِي هِشَام بن حُجَيْر ". انتهى

وقد اختلف أهل العلم فيه ، وبيان أقوالهم كما يلي :

القول الأول : وهو قول أكثر المحدثين ، وهو أنه ضعيف يكتب حديثه ولا يترك ، ويصلح في المتابعات والشواهد .

ومن هؤلاء :

يحيى بن سعيد القطان كما في "الضعفاء" للعقيلي (4/337) .

وأحمد بن حنبل :

سأل عبد الله بن أحمد بن حنبل أباه عنه كما في "العلل" (752) ، فقال :" وَسَأَلته عَن هِشَام بن حُجَيْر فَقَالَ : لَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيّ . قلت : هُوَ ضَعِيف ؟ قَالَ : لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ ". انتهى

وقال أحمد في "العلل" (824) :" ضَعِيف الحَدِيث ". انتهى

ويحيى بن معين في رواية :

في "العلل" لأحمد (4024) قال عبد الله :" سَأَلت يحيى عَن هِشَام بن حُجَيْر فضعفه جدا ". انتهى

وأبو حاتم :

قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/54) :" سألت ابى عن هشام بن حجير فقال: مكى يكتب حديثه ". انتهى

القول الثاني : وهو قول بعض أهل العلم ، أنه ثقة .

ومن هؤلاء :

 ابن سعد في "الطبقات" (5/484) ، والعجلي في "الثقات" (1729) ، وقال الساجي: "صدوق". كذا في "إكمال تهذيب الكمال" (12/138) .

القول الثالث :

وهو أنه حسن الحديث إلا أن يُخالف ، أو يتفرد عن شيخ بشيء دون أصحابه .

وهذا ما رجحه الذهبي ، فإنه ذكره في كتاب "من تُكلم فيه وهو موثق" (355) ، وقد قال في مقدمته لكتابه هذا : " فهذا فصل نافع في معرفة ثقات الرواة ، الذين تكم فيهم بعض الأئمة، بما لا يرد أخبارهم ، وفيهم بعض اللين ، وغيرهم أتقن منهم وأحفظ .

فهؤلاء : حديثهم ، إن لم يكن في أعلى مراتب الصحيح ؛ فلا ينزل عن رتبة الحسن .

اللهم إلا أن يكون للرجل منهم أحاديث تستنكر عليه ، وهي التي تُكلم فيه من أجلها ؛ فينبغي التوقف في هذه الأحاديث ". انتهى

وقال فيه الحافظ ابن حجر في ابن حجر (7288) :" صدوق له أوهام " . انتهى

والراجح هذا القول – والله أعلم - ، لما يلي :

أولا : أن البخاري ومسلم قد رويا له ، والبخاري روى له حديثا في " باب الاستثناء في الإيمان " رقم (6720) ، من طريق سُفْيَان بن عيينة ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ: " قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً ، كُلٌّ تَلِدُ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ - قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي المَلَكَ - قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَنَسِيَ ، فَطَافَ  بِهِنَّ فَلَمْ تَأْتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ بِوَلَدٍ إِلَّا وَاحِدَةٌ بِشِقِّ غُلاَمٍ  ".

ثم روى الحديث مرة أخرى برقم (5242) ، من طريق ابن طاووس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة به . أي متابعة لرواية هشام بن حجير .

ومسلم روى له في موضعين :

الأول : برقم (1246) ، من طريق سفيان بن عُيَيْنَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ ، عَنْ طَاوُسٍ ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: " أَعَلِمْتَ أَنِّي قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ؟ » فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَعْلَمُ هَذَا إِلَّا حُجَّةً عَلَيْكَ ".

ثم روى نفس الحديث من طريق الحسن بن مسلم ، عن طاووس ، عن ابن عباس به . أي متابعة لرواية هشام بن حجير .

الثاني : برقم (1645) ، من طريق سفيان بن عيينة ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ نَبِيُّ اللهِ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً ..  ثم ساق الحديث .

ثم روى نفس الحديث من طريق ابن طاووس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة به . أي متابعة لرواية هشام بن حجير .

فتبين مما سبق أن الشيخين البخاري ومسلم قد رويا له ، لكن لم ينفرد بالرواية بل توبع .

ثانيا : أن ابن معين قال فيه مرة :" صالح ".

ذكر هذه الرواية ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/54) .

وهذا المصطلح يطلق غالبا ، ويراد به أنه : صدوق وفيه ضعف .

فقد أخرج الخطيب في "الكفاية" (ص22) ، عن أحمد بن سنان ، قال :" كان عبد الرحمن بن مهدى ، ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف ، وهو رجل صدوق ، فيقول رجل صالح الحديث ". انتهى

ثالثا : أن سفيان بن عيينة قد روى عنه ، وسفيان بن عيينة ممن عرفوا بأنهم لا يروون عن أي أحد ؛ بل ينتقون مشايخهم .

فقد روى مسلم في "مقدمة صحيحه" (1/21) ، أن سفيان بن عيينة قال :" سَمِعْتُ جَابِرًا ، يُحَدِّثُ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ ، مَا أَسْتَحِلُّ أَنْ أَذْكُرَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ". انتهى

ونقل الذهبي في "تاريخ الإسلام" (4/1110) ، فقال :" قال ذؤيب السَّهْميّ: سَأَلت ابن عُيَيْنَة: أسمعتَ مِن صالح مولى التوأمة؟ قَالَ: نعم ، هكذا وهكذا. وأشار بيديه ؛ يعني كثرة ، وسمعتُ منه ولُعابه يسيل.

قَالَ أبو محمد بْن أَبِي حاتم: فلا نعلمه روى عَنْهُ شيئًا ، كَانَ منتقدًا للرُّواة ". انتهى

وهذا عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، قال فيه ابن عيينة ، كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/40) : " كان ابْن عقيل فِي حفظه شيء ، فكرهت أن ألقاه ". انتهى . وينظر: "تهذيب الكمال" (16/81) .

هذا وقد صرح سفيان بن عيينة أنه لم يكن يأخذ عن هشام بن حجير إلا ما لم يكن عند غيره .

نقله عنه العقيلي في "الضعفاء"  (6351) ، فقال :" قال سُفيان بن عُيَينَة : لَم نَكُن نَأخُذ عن هِشام بن حُجَير ، إلا ما لا نَجِدُه عِند غَيرِهِ ". انتهى

فدل ذلك على أن ابن عيينة كان يعلم أن حفظ هشام بن حجير ليس بالقوي ، ولذا كان يأخذ عنه ، ويحتاط  في الرواية ، بحيث لا يأخذ منه إلا إذا احتاج أن يروي عنه .

ولذا كان حكم الحافظ الذهبي أنه حسن الحديث ، وحكم الحافظ ابن حجر أنه صدوق له أوهام ، هو الأقرب .

وهذا صنيع الشيخ الألباني رحمه الله .

فإنه ذكر في "صحيح أبي داود" (6/406) أثرا من طريق هشام بن حجير عن طاووس ، وحسنه.

قال الشيخ رحمه الله :" وروى هشام بن حُجَيْر عن طاوس قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قد كان لكم في الطلاق أناة؛ فاستعجلتم أناتكم، وقد أجزنا عليكم ما استعجلتم من ذلك.

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه " (3/259) ، وإسناده إلى طاوس حسن ". انتهى

ومع ذلك ؛

فتبقى مسألة الحكم على هشام بن حجير مسألة اجتهادية ، وهي مما يسوغ فيها الخلاف .

فمن قبل حديثه ، وصححه ، فقوله وجيه ، وله فيه سلف .

فهذا الحافظ ابن حجر ذكر في "المطالب العالية" (323) حديثا من طريق هشام بن حجير عن طاووس ، ثم قال ابن حجر :" إسناده صحيح ". انتهى

ومن ضعفه ، وتوقف في قبول حديثه : فله في ذلك ؛ أي سلف ، ويكفي أن إمامه في ذلك : أحمد ، وابن معين ، ومن نحا نحوهما .

وقد سبق في أول الجواب :

أن هذه ليست من المسائل التي يتناولها العامة ، حتى نسأل : كيف يتناولها المسلم العادي .

ومتى طرقت سمعه ، أو احتاج إلى شيء منها : فيكفيه أن يسأل من يسأل من يثق به من أهل العلم . وقد برأت ذمته ، وحصل ما له ، أو عليه ، وزيادة .

وقد قال الله تعالى :  فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ   النحل/43

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب