الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حلفته زوجته ألا يشرب الدخان فنوى نوعا معينا فهل تنفعه نيته ؟

296738

تاريخ النشر : 08-12-2018

المشاهدات : 10532

السؤال

قامت زوجتي بتحليفي علي المصحف أن أقلع عن التدخين ، فحلفت علي نوع معين بأن أتركه ، فهل يجوز ذلك؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يحرم شرب الدخان بأنواعه؛ لما فيه من الضرر البالغ على شاربه ، وعلى من حوله من أهل وذرية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:  لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ أخرجه أحمد (2865) وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.

وهذه الزوجة الصالحة نسأل الله أن يبارك فيها، وأن يجزيها خيرا، كما نسأله أن يتوب عليك، وأن يبغض إليك شرب الدخان ورائحته.

ثانيا:

إذا حلفت ألا تشرب الدخان ، ونويت نوعا معينا منه، فإن يمينك يتقيد بهذا النوع، ولا تحنث بشرب غيره، وذلك أن النية تنفع في اليمين، فتخصص العام، وتقيد المطلق .

ما لم يكن الحلف أمام من له ولاية التحليف كالقاضي والمحكَّم، أو كان الإنسان ظالما، فلا تنفعه النية، بل اليمين حينئذ على نية المستحلف.

والزوجة ليس لها ولاية التحليف، وأنت هنا لا ظالم ولا مظلوم، فتنفعك نيتك وتأويلك.

قال ابن قدامة رحمه الله : " مسألة : قال : وإذا حلف ، فتأول في يمينه ، فله تأويله إذا كان مظلوما .

وإن كان ظالما ، لم ينفعه تأويله ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يمينك على ما يصدقك به صاحبك .

معنى التأويل : أن يقصد بكلامه محتَمَلا يخالف ظاهره ، نحو أن يحلف : إنه أخي ، يقصد أخوة الإسلام ، أو المشابهة ، أو يعني بالسقف والبناء السماء ، وبالبساط والفراش الأرض ، وبالأوتاد الجبال ، وباللباس الليل ... أو يقول : ما لفلان عندي وديعة ، ولا شيء . يعني بـ " ما " : " الذي " . أو يقول : ما فلان هاهنا . ويعني موضعا بعينه . أو يقول : والله ما أكلت من هذا شيئا ، ولا أخذت منه . يعني الباقي بعد أخذه وأكله .

فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه ، إذا عناه بيمينه ، فهو تأويل ; لأنه خلاف الظاهر .

ولا يخلو حال الحالف المتأول ، من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يكون مظلوما ، مثل من يستحلفه ظالم على شيء ، لو صدَقه لظلمه ، أو ظلم غيره ، أو نال مسلما منه ضرر . فهذا له تأويله . قال مهنا : سألت أحمد ، عن رجل له امرأتان ، اسم كل واحدة منهما فاطمة ، فماتت واحدة منهما ، فحلف بطلاق فاطمة ، ونوى التي ماتت ؟ قال : إن كان المستحلف له ظالما ، فالنية نية صاحب الطلاق ، وإن كان المطلِّق هو الظالم ، فالنية نية الذي استحلف .

وقد روى أبو داود ، بإسناده عن سويد بن حنظلة ، قال : خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر ، فأخذه عدو له ، فتحرج القوم أن يحلفوا ، فحلفت أنه أخي ، فخلى سبيله ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال :   أنت أبرُّهم وأصدقُهم ، المسلم أخو المسلم   [صححه الألباني في صحيح أبي داود]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :  إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب   [ضعيف ، وصح موقوفا عن عمر. ينظر : صحيح الأدب المفرد 857] . يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غيرَ ما عناه .

قال محمد بن سيرين : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف ، يعني : لا يحتاج أن يكذب ; لكثرة المعاريض ، وخص الظريف بذلك ; يعني به : الكيس الفطن ، فإنه يفطن للتأويل ، فلا حاجة به إلى الكذب .

الحال الثاني : أن يكون الحالف ظالما ، كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده ، فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف ، ولا ينفع الحالف تأويله .

وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا ؛ فإن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينك على ما يصدقك به صاحبك رواه مسلم وأبو داود .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمين على نية المستحلف . رواه مسلم .

وقالت عائشة : اليمين على ما وقع للمحلوف له ؛ ولأنه لو ساغ التأويل ، لبطل المعنى المبتغى باليمين ؛ إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود ، خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة ، فمتى ساغ التأويل له ، انتفى ذلك ، وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق ، ولا نعلم في هذا خلافا .

قال إبراهيم في رجل استحلفه السلطان بالطلاق على شيء ، فورّى في يمينه إلى شيء آخر : أجزأ عنه ، وإن كان ظالما لم تجزئ عنه التورية .

الحال الثالث : لم يكن ظالما ولا مظلوما ، فظاهر كلام أحمد ، أن له تأويله ، فروي أن مَهَنّا كان عنده هو والمروذي وجماعة ، فجاء رجل يطلب المروذي ، ولم يرد المروذي أن يكلمه ، فوضع مهنا أصبعه في كفه ، وقال : ليس المروذي هاهنا ، وما يصنع المروذي هاهنا ؟ يريد : ليس هو في كفه ، ولم ينكر ذلك أبو عبد الله .

وروي أن مهنا قال له : إني أريد الخروج - يعني السفر إلى بلده - وأحب أن تُسمعني الجزء الفلاني ، فأسمعه إياه ، ثم رآه بعد ذلك ، فقال : ألم تقل إنك تريد الخروج ؟ فقال له مهنا : قلت لك : إني أريد الخروج الآن ؟ فلم ينكر عليه . وهذا مذهب الشافعي . ولا نعلم في هذا خلافا" انتهى من "المغني" (9/420).

وقال في مغني المحتاج (4/ 475): " (وتعتبر) في الحلف (نية القاضي المستحلف) للخصم ، سواء أكان موافقا للقاضي في مذهبه ، أم لا ، لحديث : (اليمين على نية المستحلف) رواه مسلم. وحُمل على الحاكم ، لأنه الذي له ولاية الاستحلاف .

والمعنى فيه : أنه لو اعتبرت نية الحالف ، لبطلت فائدة الأيمان ، وضاعت الحقوق إذ كل أحد يحلف على ما يقصد ...

تنبيه : كان الأولى للمصنف أن يقول من له ولاية التحليف ، بدل القاضي ، ليشمل الإمام الأعظم ، والمحكَّم ، أو غيرهما ممن يصح أداء الشهادة عنده ...

أما إذا حلّفه الغريم ، أو غيره ممن ليس له ولاية التحليف، أو حلفه من له ذلك بغير طلبه، فالعبرة بنية الحالف. وكذا لو حلف هو بنفسه ابتداء كما قاله في زيادة الروضة" انتهى.

فعلى هذا القول : تنفعك نيتك في تخصيص اليمين .

غير أن الذي ينبغي عليك : ألا تحلف على مثل ذلك ، ولو تأولت في يمينك ، لأن مثل هذا الحلف قد يجرك إلى التأويل في موضع لا يسوغ لك التأويل فيه ؛ كأن تكون ظالما لغيرك ، معتديا على حقه .

ولأن التأويل في حالة ، لم تكن ظالما ، ولا مظلوما ، وهي التي محل الإشكال والنظر ، على ما سبق : ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا ينفع الحالف ، وأن يمينه على نية صاحبه ، المستحلِف، على ظاهر الحديث . وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

ينظر : "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين (13/164، 167) .

وينظر تفصيل مسألة التأويل في الحلف في "الموسوعة الفقهية" (7/306).

فلا ينبغي للعاقل ، فيما يستقبل من أمره : أن يوقع نفسه في مثل ذلك ، بل يحتاط لدينه ، ويخرج من خلاف العلماء في مثل ذلك .

ثم يتأكد ذلك : في مثل ما ذكرته ؛ فإن الواجب عليك ترك شرب الدخان ، طاعةً لله تعالى ، وفرارا من غضبه .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب