الحمد لله.
هذه القصة ليس لها أصل ، ولم يروها أحد من أهل العلم بإسناد أصلا .
وقد أوردها الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (1/155) ، وابن عادل الحنبلي في "اللباب في علوم الكتاب" (1/159) ، ومحمد المفضل بن عزوز في "العقود الدرية في بعض ما يتعلق بألفاظ التسمية" (ص85) ، منسوبة إلى عيسى ابن مريم ، وليس إلى موسى ، عليهما السلام، بهذا اللفظ ، فقال :
" مَرَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَبْرٍ ، فَرَأَى مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ يُعَذِّبُونَ مَيِّتًا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ حَاجَتِهِ ، مَرَّ عَلَى الْقَبْرِ ، فَرَأَى مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ مَعَهُمْ أَطْبَاقٌ مِنْ نُورٍ ، فَتَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ ، فَصَلَّى وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: يَا عِيسَى ، كَانَ هَذَا الْعَبْدُ عَاصِيًا ، وَمُذْ مَاتَ كَانَ مَحْبُوسًا فِي عَذَابِي ، وَكَانَ قَدْ تَرَكَ امْرَأَةً حُبْلَى ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا وَرَبَّتْهُ حَتَّى كَبِرَ ، فَسَلَّمَتْهُ إِلَى الْكُتَّابِ فَلَقَّنَهُ المعلم بسم الله الرحمن الرحيم ، فاستحيت مِنْ عَبْدِي أَنْ أُعَذِّبَهُ بِنَارِي فِي بَطْنِ الْأَرْضِ ، وَوَلَدُهُ يَذْكُرُ اسْمِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ".
هكذا بدون إسناد ، والظاهر أنها من الإسرائيليات التي يوردها بعض المفسرين بلا إسناد .
وقد جاء في معنى القصة حديث مرفوع ، لكنه موضوع مكذوب .
أخرجه الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" (1/91) ، فقال:" حدّثنا أبو عبد الله محمد بن علي ، حدّثنا أحمد بن سعيد ، حدّثنا جعفر بن محمد بن صالح ، وحدّثنا محمد بن القاسم الفارسي ، حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن أحمد الشيباني ، أخبرنا أحمد بن كامل بن خلف ، حدّثنا علي بن حماد بن السكن ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الهروي ، ثنا هشام بن سليمان المخزومي ، عن أبي مليكة ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول:( خير الناس وخير من يمشي على جديد الأرض المعلّمون ، فكلما خلق الدين جدّدوه ، أعطُوهم ولا تستأجروهم فتحرجوهم ، فإن المعلّم إذا قال للصبي: قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فقال الصبي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتب الله براءة للصبي ، وبراءة لأبويه وبراءة للمعلّم من النار ).
وهو حديث موضوع .
قال ابن الجوزي في "التحقيق في مسائل الخلاف" (2/219) :" وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيِّ ، وَهُوَ الْجُوَيْبَارِيُّ ، وَكَانَ كَذَّابًا يَضَعُ الْحَدِيثَ ". انتهى. وأورده السيوطي في "اللألئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (1/180) ، و الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص276) .
وختاما : فالقصة المذكورة : ليس لها أصل ، وهي أشبه بالحكايا ، والإسرائيليات.
والله أعلم .
تعليق