الحمد لله.
أولا:
لا يجوز للرجل أن يلبس شيئا مما يختص به النساء، كما لا يجوز العكس، وهو من كبائر الذنوب؛ لما جاء فيه من اللعن.
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" رواه البخاري ( 5435).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ" رواه أبو داود ( 4098 ) وصححه النووي في " المجموع " ( 4 / 469 ) ، والألباني في "صحيح أبي داود" .
قال ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (10/ 332): "قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين" ، قال الطبري: المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ، ولا العكس.
قلت: وكذا في الكلام والمشي.
فأما هيئة اللباس: فتختلف باختلاف عادة كل بلد ، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس ؛ لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار.
وأما ذم التشبه بالكلام والمشي : فمختص بمن تعمد ذلك. وأما من كان ذلك من أصل خلقته، فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعل وتمادى : دخله الذم ، ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ (المتشبهين)" انتهى.
وما يختص به الرجال أو النساء يرجع إلى اللون ، وصفة التفصيل ، ويختلف بالعرف كما في كلام ابن حجر ، وكما سيأتي في كلام ابن عثيمين.
ثانيا:
لا فرق بين أن يكون لبس هذه الثياب أمام الناس، أو خفية، كما لو لبسها في بيته ، أو لبس ملابس النساء الداخلية.
سئل علماء اللجنة الدائمة : ما قول الشيخ فيمن يلبس ملابس النساء في الخفاء ؟
فأجابوا :"صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ) ، وفي لفظ : ( لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ).
لبس الرجل ملابس النساء داخل في هذا النهي ، فيحرم هذا الفعل ، ولو كان في الخفاء ؛ لعموم النص بالتحريم.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 24 / 94).
ثالثا:
إذا ستر المصلي عورته بملابس النساء، ففي صحة صلاته خلاف، فلا تصح عند الحنابلة لاشتراطهم كون السترة مباحة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " امرأة تخصص ثوباً للصلاة ، وهو من ثياب الرجال : هل تجوز صلاتها ، وهل يدخل ذلك في باب التشبه بالرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
إذا كان الثوب الذي تلبسه المرأة من الثياب الخاصة بالرجال : فإن لبسها إياه حرام ، سواء كان في حال الصلاة أو في غير حال الصلاة ، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن المتشبهات من النساء بالرجال ، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء) ؛ فلا يحل لامرأة أن تلبس ثوباً خاصاً بالرجل ، ولا يحل للرجل أن يلبس ثوباً خاصاً بالمرأة .
ولكن يجب أن نعرف ما هي الخصوصية ، ليست الخصوصية في اللون ، ولكنها في اللون والصفة ، ولهذا يجوز للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض ، إذا كان تفصيله ليس على تفصيل ثوب الرجل .
وإذا تبين أن لبس المرأة ثوباً يختص بالرجل حرام ، فإن صلاتها فيه لا تصح عند بعض أهل العلم الذين يشترطون في السترة أن يكون الساتر مباحاً .
وهذه المسألة مسألة خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من اشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً ، ومنهم من لم يشترط ذلك .
وحجة القائلين باشتراطه : أن ستر العورة من شروط الصلاة ، ولا بد أن يكون الشرط مما أذن الله فيه، فإذا لم يأذن الله فيه ، لم يكن ساتراً شرعاً ، لوقوع المخالفة .
وحجة من قالوا بصحة الصلاة فيه مع الإثم : أن الستر قد حصل ، والإثم خارج عن نطاق الستر ، وليس خاصاً بالصلاة ؛ فتحريم لبس الثوب المحرم في الصلاة وخارجها .
وعلى كل حال : فالمصلى بثوب محرم على خطر في أن ترد صلاته ولا تقبل منه" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/ 2).
والحاصل :
أنك مصيب في الإنكار على هذا الشاب، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يحذر عقابه، وألا يعود إلى لبس شيء من ملابس النساء ، لا في الصلاة ولا غيرها، وصلاته صحيحة على مذهب الجمهور.
واعلم أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة ، فلا يجوز أن يلبس أمام الرجال ما يظهر عورته كالشورت القصير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ .
رواه الطبراني والدار قطني وأحمد وأبو داود، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" برقم 271.
وكذلك عورته في الصلاة : ما بين السرة والركبة، فالركبة ليست من العورة، لكن إذا كان لباسه لا يغطي الركبة ، فالغالب أنه ينكشف شيء من فخذه في الصلاة ، خاصة في الركوع والجلوس للتشهد وبين السجدتين.
والله أعلم.
تعليق