الحمد لله.
أولا: أخذ الزوجة من مال زوجها بدون علمه
إذا كان الزوج قائما بالنفقة الواجبة، من مسكن وملبس ومأكل ومشرب ، في حدود المعروف، فلا يجوز لزوجته أن تأخذ من ماله شيئا؛ لحرمة الأخذ من المال إلا بطيب النفس، لقوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).
فإن قصر في النفقة الواجبة: جاز لها أن تأخذ ذلك من ماله بالمعروف؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي ، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ؟
فَقَالَ: ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (5364) .
وإذا لم يكن مقصرا في النفقة الواجبة، فلا يجوز أخذ شيء من ماله بغير رضاه.
ثانيا: ضابط النفقة الواجبة على الزوج
الحاجة التي تريد الزوجة شراءها إذا لم تكن من النفقة الواجبة، فلا يجوز أن تشتريها من ماله دون علمه، وعليها أن ترد المال إلى زوجها، وأن تغلق هذا الباب الذي هو مدخل للحرام من حيث لا تشعر.
والنفقة الواجبة تشمل الطعام والكسوة التي تليق بمستوى الزوج والزوجة، والفقهاء يقولون: إن الكسوة تجب مرة في السنة، كما يلزمه أدوات النظافة من صابون ونحوه.
ولا يلزمه أداوت الزينة من حلي وحناء ومكياج ونحوه، إلا إن أرادها أن تتزين له، فيلزمه أن يحضر لها ذلك.
قال في "أخصر المختصرات"، ص 240: "ولها الكسوة كل عام مرة في أوله" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (5/ 461): " (و) يفرض لها الحاكم من الكسوة (ما يلبس مثلها، من حرير وخز) .. (وجيد كتان وقطن، وأقله قميص وسراويل ووقاية، وهي ما تضعه فوق المقنعة وتسمى الطرحة، ومقنعة ومداس وجبة للشتاء)؛ لأن ذلك أقل ما تقع به الكفاية.
لأن الشخص لا بد له من شيء يواري جسده وهو القميص، ومن شيء يستر عورته، وهو السراويل، ومن شيء على رأسه، وهو الوقاية، ومن شيء في رجله، وهو المداس ومن شيء يدفئه، وهو جبة للشتاء... (وتزاد من عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه، مما لا غنى عنه)؛ لأن الواجب دفع الحاجة الغالبة (دون ما للتجمل والزينة)".
وقال في (5/ 463): " (و) يجب (عليه) أي الزوج (مؤنة نظافتها، من الدهن) لرأسها، (والسدر والصابون، وثمن ماء شرب ووضوء وغسل من حيض ونفاس وجنابة ونجاسة، وغسل ثياب، وكذا المشط وأجرة القيمة ونحوه وتبييض الدست [اللباس] وقت الحاجة) إليه لأن ذلك يراد للتنظيف كتنظيف الدار المؤجرة...
(ولا يجب عليه) ثمن الطيب والحناء والخضاب ونحوه) كالإسفيداج، لأن ذلك من الزينة فلا يجب عليه، كشراء الحلي (إلا أن يريد منها التزين به)، لأنه هو المريد لذلك، (أو قطع رائحة كريهة منها) أي يلزمه ما يراد لقطع رائحة كريهة منها، كما ذكره في المغني والشرح والترغيب .
(ويلزمها ترك الحناء وزينة نهاها عنه) ذكره الشيخ تقي الدين" انتهى.
فإذا كان الزوج قائما بالنفقة الواجبة، فلا يجوز للزوجة أن تأخذ شيئا من ماله لشراء أشياء لا تجب عليه.
فإذا جاء وقت الحاجة ، التي تلزمه ، على ما سبق بيانه ، ولم يعطها مالا ، ولم تقدر هي على الأخذ منه وقت الحاجة : فها أن تشتري حاجته بالدين ، ثم يسدده هو إذا أعلمته بذلك ، ولعل ذلك أن يكون دافعا له أن يشتري لها حاجتها ، ولا يبخل بها .
فإن لم يمكنها ذلك ، فلها أن تأخذ من ماله ، ثمن ما اشترته من النفقة الواجبة عليه ، التي أخل بها .
ثالثا:
أما الذهب الذي أخذه الزوج، فعليه أن يرد مثله وزنا، ما دام قادرا، ويأثم بالمماطلة، وينبغي أن تنصحه، وأن تذكره بحقها في مالها وفي الزينة.
فإن لم يُجد ذلك معه، ووقفت على شيء من ماله، فلها أن تأخذ منه قدر ما تشتري به الذهب؛ بشرط أن تأمن الفضيحة والاتهام بالسرقة؛ فقد اشترط الفقهاء الذي قالوا بجواز الأخذ من مال الغير إذا ظفر الإنسان بحقه: أن يأمن الفضيحة والاتهام بالسرقة.
وينظر: جواب السؤال رقم : (171676) .
والله أعلم.
تعليق