الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

ما حكم تأخير قضاء الفائتة من غير عذر؟

324938

تاريخ النشر : 16-01-2024

المشاهدات : 4936

السؤال

إذا تأخر الإنسان في أداء صلاة الفجر لعذر شرعي، ثم ذكرها بعد طلوع الشمس بقليل، لكنه لم يؤدها مباشرة دون عذر، فما هو حكم ذلك عند من يعتقد كفر تارك صلاة واحدة ووجوب أداء الصلاة التي نام عنها أو نسيها مباشرة إذا ذكرها؟ وما حكم ذلك عند باقي العلماء، هل يعدون ذلك من الكبائر أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

من نسي صلاة أو نام عنها؛ فقد جعل الشرع له مخرجا بأن يصليها متى ذكرها.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ،  وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي رواه البخاري (597)، ومسلم (684).

والشرع قد حدد بداية وقت قضاء الفائتة؛ وهو وقت تذكرها؛ لكنه لم يحدد وقتا لنهايته، بل هو مأمور بالقضاء أبدا.

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

" واتفقوا على أن من نام عن صلاة أو نسيها، أو سكر من خمر حتى خرج وقتها: فعليه قضاؤها أبدا " انتهى من "مراتب الإجماع" (ص 32).

ولم نقف على من يقول بتكفير مؤخر قضاء الفائتة؛ لأنه لا يزال مطالبا بها، ومجرد التأخير لا يفوت به وقت القضاء، وليس هذا كحال الصلاة في وقتها؛ لأن لوقتها نهاية.

لكن الواجب عليه أن يبادر بالصلاة متى تذكرها أو زال عذره ، ويدل على ذلك أمران :

الأول – الحديث السابق- (فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) .

فهذا يدل على وجوب أدائها على الفور .

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في "فتح الباري" (4/161): وقوله: (فليصل إذا ذكر) استدل به من يقول بوجوب قضاء الصلوات على الفور؛ وهو قول أبي حنيفة ومالك.

وأحمد يوجبه بكل حال، قلَّت الصلواتُ أو كثُرت.

واستدلوا- أيضا -: بقوله: (لا كفارة لها إلا ذلك) .

وذهب الشافعي إلى أن القضاء على التراخي، كقضاء صيام رمضان، وليس الصوم كالصلاة عندهم، فإن الصيام لا يجوز تأخيره حتى يدخل نظيره من العام القابل، والصلاة عندهم بخلاف ذلك.

واستدلوا - أيضا-: بتأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة حتى خرج من الوادي.

وفيه نظر؛ فإن ذلك تأخير يسير، لمصلحة تتعلق بالصلاة، وهو التباعد عن موضع يكره الصلاة فيه ...

وأما تلاوته قوله تعالى: وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرَي ، وقد [كذا، ولعلها: فقد، ليستقيم السياق] رواه قتادة - مرة -، فقال: للذِكْرَى ، ومرة قال: لِذِكْرِي ، كما هي القراءة المتواترة.

وكان الزهري- أيضا- يقرؤها : للذِكْرَى .

وهذه القراءة أظهر في الدلالة على الفور، لأن المعنى: أدَّ الصلاة حين الذكرى، والمعنى: أنه يصلي الصلاة إذا ذكرها. وبذلك فسرها أبو العالية والشعبي والنخعي" انتهى .

الثاني : أن الأصل في الأمر أنه للفور .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: " ( الأمر يقتضي فعل المأمور على الفور في ظاهر المذهب، وهو قول الحنفية. وقال أكثر الشافعية: هو على التراخي... ) الخ.

خلاصة ما ذكره في هذا المبحث أن فيه القولين المذكورين.

وكونه للفور هو الحق لأمور:

الأول: أن ظواهر النصوص تدل عليه، كقوله تعالى: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ )، ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) الآية. وقوله: ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) الآية. وقد مدح الله تعالى المسارعين بقوله: ( أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) الآية.

الثاني: أن السيد لو أمر عبده فلم يمتثل، فعاقبه، لم يكن له عذر بأن الأمر على التراخي، وذلك مفهوم من وضع اللغة...

وقد حذر تعالى من التراخي لئلا يفوت التدارك باقتراب الأجل، بقوله: ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ )، ولا سيما والإنسان طويل الأمل " انتهى من "مذكرة في أصول الفقه" (ص 306 - 308).

وقال رحمه الله تعالى:

" أظهر القولين عندي وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض هو: أن وجوب أوامره جل وعلا - كالحج - على الفور، لا على التراخي، لما قدمنا من النصوص الدالة على الأمر بالمبادرة، وللخوف من مباغتة الموت، كقوله: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) الآية، وما قدمنا معها من الآيات، وكقوله: ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ).

ولما قدمنا من أن الشرع واللغة والعقل كلها يدل على أن أوامر الله تجب على الفور " انتهى من "أضواء البيان" (5 / 134).

وقد يستدل البعض بجواز تأخير القضاء وعدم الفورية بحديث عِمْرَانَ وغيره، قَالَ:

" كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً، وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ، ثُمَّ فُلاَنٌ، ثُمَّ فُلاَنٌ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لِأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ.

قَالَ: لاَ ضَيْرَ - أَوْ لاَ يَضِيرُ – ارْتَحِلُوا!

فَارْتَحَلَ، فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ، وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ ..." رواه البخاري (344)، ومسلم (682).

ولكن هذا الحديث لا يدل على عدم وجوب الفورية في القضاء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما آخرها وقتا يسيرا ، وكان ذلك لمصلحة الصلاة ، حيث قال صلى الله عليه وسلم:

لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ  رواه مسلم (680).

قال ابن الجوزي في "كشف المشكل" (1/302):

"فإن قيل : كيف قال: ارتحِلُوا، وأخر الصلاة، وفي الصحيحين من حديث أنس عنه أنه قال : (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك)؟

فالجواب : أن يُعمل على حديث أنس ، وأنه لا يجوز تأخير الصلاة عند الذكر والانتباه.

وأما ارتحاله عن المكان: فقد جاء في الحديث أنه قال : (إن هذا الوادي به شيطان، فارتحلوا منه) وهذا لا يعلمه إلا الأنبياء" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" فإن قلت: أليس النبي صلى الله عليه وسلم لما استيقظ أمرهم أن يرتحلوا من مكانهم إلى مكان آخر؟

فالجواب: بلى، ولكنه علل ذلك بأنه: ( مكان حضر فيه الشيطان )، فلا ينبغي أن يصلى في أماكن حضور الشياطين، ولهذا نهى عن الصلاة في الحمام؛ لأنه مأوى الشياطين...

وهذا الحديث لا يدل على عدم وجوب الفورية " انتهى من "الشرح الممتع" (2 / 141 - 142).

والحاصل:

أن الواجب على من أخر قضاء الفائتة: التوبة إلى الله تعالى، والمبادرة إلى القضاء وعدم التهاون بصلاتها فور استيقاظه أو تذكره، ولا يؤخرها ليتم نومه، ثم يصلي متى استقيظ؛ فإن هذا غلط منه!!

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب