الاثنين 29 صفر 1446 - 2 سبتمبر 2024
العربية

هل جملة (من نزل بأرض تفشى فيها الزنى فحدث الناس عن حرمة الربا فقد خان) صحيحة؟

325240

تاريخ النشر : 26-08-2024

المشاهدات : 459

السؤال

هل المعنى في الخبر التالي صحيح؟ وما مقدار صحته؟ يقول الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: " من دخل قرية فشا فيها الربا، فخطب فيها عن الزنا فقد خان الله ورسوله".

الجواب

الحمد لله.

انتشر على شبكة الإنترنت وعلى ألسنة بعض الناس جملة منسوبة إلى الإمام عز الدين بن عبد السلام ، وهو أنه قال : " من نزل بأرض تفشى فيها الزنى فحدث الناس عن حرمة الربا فقد خان" .

وهذه الجملة لم نقف على من ذكرها من العلماء عنه ، وقد ترجم له كثير من العلماء ولم يذكرها واحد منهم ، ولم نقف عليها في كتب الشيخ نفسه!!

ومن الواضح: أنها جملة مخترعة ، منسوبة إلى الشيخ كذبًا ؛ لما اشتهر عنه من الصدع بالحق ، والإنكار على الأمراء.

أما معنى الجملة ففيه وجه من الصحة ووجه من النظر:

فأما وجه الصحة : 

فهو أن المؤمن يجب عليه أن ينكر المنكر ؛ خاصة إذا كان المنكر ظاهرًا متفشيًا ، ولا يجوز له أن يسكت عنه إلا لعذر ، وحينها ينكر بقلبه ، وهو أضعف الإيمان .

لقوله سبحانه وتعالى:  لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ المائدة/78 - 79.

ولما رواه مسلم ( 49 ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  مَن رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .

قال ابن عطية – رحمه الله - :
والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين ، فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه.
انظر " تفسير القرطبي " (6/253).

أما وجه النظر :

فهو أنه في بعض الأحيان يترتب على إنكار المنكر مفسدة أعظم ، فيسكت العالم أو غيره عن الإنكار دفعًا لتلك المفسدة العظيمة التي قد تترتب على إنكاره ، فلا يصح ولا يجوز في هذه الحالة أن يقال عمن سكت عن الإنكار إنه قد خان أو نحو ذلك . 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الأمر والنهي - وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة - فينظر في المعارض له :
فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به ؛ بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته " انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/129).

وقال ابن القيم رحمه الله :
" إنكار المنكر أربع درجات :
الأولى : أن يزول ويخلفه ضده (وضده هو المعروف) .
الثانية : أن يقل وإن لم يزل بجملته .
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه .
فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة .
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج، كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله ، كرمي النشاب (السهام) ، وسباق الخيل ، ونحو ذلك .
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية ، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد ، وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك ، فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك .
وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر ، فدعه وكتبه الأولى . وهذا باب واسع .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه ، وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال ، فدعهم .
والمثال الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تقطع الأيدي في الغزو) رواه أبو داود . فهذا حد من حدود الله تعالى ، وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا ، كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم " انتهى من " إعلام الموقعين " (3/12-13).

والحاصل :

أن الكلام المذكور لم نقف عليه في كتاب من كتب العز بن عبد السلام ، كما لم نجد أحدا من العلماء نسبه إليه.

وأما معناه ففيه نظر؛ فإن الزنا فاحشة من الفواحش الكبرى، ويجب إنكاره على كل حال، وبيان حكم الله فيه، وغضه على من فعله، وغيرته أن يتعدى الناس حدوده.

فإذا كان الربا في بلد فاشيا، وجب عليه أن ينكر الأمرين، كما يجب عليه أن ينكر كل منكر يعلمه في الناس، أو حذرهم منه رب العالمين.

وتكون البداءة في الإنكار بالأهم والمهم، ويكثر القول، ويغلظه فيما شاع في الناس من منكرات، ويقدم التحذير منه وإنكاره على ما خفي فيهم من المنكرات، وقل العامل به.

وينظر جواب السؤال (290636)

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب