الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

إذا كان في الولادة الطبيعية خطر على الجنين فهل تجب العملية القيصرية ؟

325432

تاريخ النشر : 29-06-2020

المشاهدات : 3118

السؤال

زوجتي حامل وحملها حرج، حيث توقع اثنين من الأطباء وفاة الجنين بعد الولادة؛ بسبب ضيق في حجم الصدر، ونصح الطبيب بإجراء ولادة طبيعية، وإن كان فيها خطر علي الجنين، وعلل ذلك بأنه لا يتوقع حياة الجنين، فلا إفادة من إجراء عملية قيصيرية، فهل يجوز الولادة الطبيعية في حال هناك نسبة لوفاة الجنين؟ وهل يجوز إجبار الزوجة على علمية قيصرية وإن كانت غير موافقة ؟

الجواب

الحمد لله.

إذا كان يمكن للزوجة أن تلد ولادة طبيعية بلا خطر عليها أو على الجنين، فلا يلزمها إجراء عملية قيصرية؛ لما في العملية القيصرية من مخاطر وأضرار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (92831) .

أما إذا قال طبيبان ثقتان: إن الولادة الطبيعية فيها خطر محقق على الجنين، قد يؤدي إلى هلاكه، ككون الجنين خارج الرحم، فيجب العدول إلى العملية القيصرية حفاظا على حياته، ولا عبرة بتوقع الطبيب أنه لن يعيش؛ إذ هو الآن نفس منفوسة، يجب الحفاظ عليها، وعدم تعريضها للتلف.

فإن كان الخطر لا يخشى منه الهلاك، فإن الجراحة القيصرية تجوز، ولا تجب.

قال الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي في "أحكام الجراحة الطبية" ص154-158: " جراحة الولادة: وهي الجراحة التي يقصد منها إخراج الجنين من بطن أمه، سواء كان ذلك بعد اكتمال خلقه، أو قبله، ولا تخلو الحاجة الداعية إلى فعلها من حالتين:

 الحالة الأولى:

أن تكون ضرورية، وهي الحالة التي يخشى فيها على حياة الأم، أو جنينها، أو هما معًا، ومن أمثلتها ما يلي:

(1) جراحة الحمل المنتبذ.

(2) جراحة استخراج الجنين الحي بعد وفاة أمه.

(3) الجراحة القيصرية في حال التمزق الرحمي.

فهذه الحالات تعتبر فيها جراحة الولادة ضرورية، لأن المقصود منها إنقاذ حياة الأم، أو الجنين، أو هما معاً.

ففي المثال الأول: يتكون الجنين خارج الرحم في قناة المبيض، ويسمى بالحمل المهاجر، أو القنوي، وهذا الموضع الذي تكون فيه الجنين يستحيل بقاؤه فيه حيًا، وغالبًا ما ينفجر في القناة التي بداخلها، وحينئذ تصبح حياة الأم مهددة بالخطر، فيرى الأطباء ضرورة إجراء الجراحة، واستخراجه قبل انفجاره، وذلك كله إنقاذًا لحياة الأم...

وفي المثال الثالث: يتعرض الرحم إلى التمزق الذي يهدد حياة الأم وجنينها ، وذلك بعد اكتمال خلقه، فيضطر الأطباء إلى إجراء الجراحة واستخراج الجنين، حتى لا تتعرض الأم وجنينها للهلاك.

فهذه ثلاث صور من صور جراحة الولادة الضرورية، الأولى قصد منها إنقاذ حياة الأم، والثانية قصد منها إنقاذ حياة الاثنين، والثالثة قصد منها إنقاذ حياتهما معًا.

وهذا النوع من الجراحة يعتبر مشروعًا وجائزًا، نظرًا لما يشتمل عليه من إنقاذ النفس المحرمة، الذي هو من أجلِّ ما يتقرب به إلى الله عز وجل، وهو داخل في عموم قوله سبحانه: وَمَن أحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.

ولأنه كما جاز استئصال الداء الموجب للهلاك من جسم المريض؛ كذلك يجوز استخراج الجنين إذا كان بقاؤه موجبًا لهلاك أمه، بجامع دفع الضرر في كل.

وكذلك شق بطن المرأة الحامل الميتة من أجل إنقاذ جنينها الحي، فكما يجوز شق البطن للعلاج والتداوي، كذلك يجوز شقها لإنقاذ النفس المحرمة.

ولأن بقاءها [أي: نفس الجنين] في البطن بدون ذلك، يعتبر ضررًا محضًا، فتشرع إزالته بالجراحة اللازمة للقاعدة الشرعية التي تقول: "الضرر يزال".

قال الإمام ابن حزم -رحمه الله-: "ولو ماتت امرأة حامل، والولد حي يتحرك قد تجاوز ستة أشهر، فإنه يشق عن بطنها طولاً، ويخرج الولد، لقوله تعالى: وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأنمَا أحْيَا الناسَ جَمِيعًا ومن تركه عمدًا حتى يموت، فهو قاتل نفس" اهـ.

فاعتبر -رحمه الله- فعل هذا النوع من الجراحة فرضًا لازمًا على الطبيب، إذا امتنع من فعله عمدًا كان قاتلاً، لامتناعه من فعل السبب الموجب للنجاة مع قدرته على فعله...

وينبغي على الأطباء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم لعلاج هذه الحالات بالوسائل التي تنتهي بسلامة الأم وجنينها، وألا يقدموا على فعل هذا النوع من الجراحة إلا إذا تعذرت تلك الوسائل، وتحققوا من أن بقاء الجنين مفض إلى هلاكه وأمه، أو غلب على ظنهم ذلك ...

الحالة الثانية:

أن تكون حاجية: وهي الحالة التي يحتاج الأطباء فيها إلى فعل الجراحة بسبب تعذر الولادة الطبيعية، وترتب الأضرار عليها، إلى درجة لا تصل إلى مرتبة الخوف على الجنين أو أمه من الهلاك.

ومن أشهر أمثلتها: الجراحة القيصرية التي يلجأ إليها الأطباء عند خوفهم من حصول الضرر على الأم أو الجنين أو هما معًا، إذا خرج المولود بالطريقة المعتادة, وذلك بسبب وجود العوائق الموجبة لتلك الأضرار، ومن أمثلتها: ضيق عظام الحوض، أو تشوهها أو إصابتها ببعض الآفات المفصلية، بحيث يتعذر تمدد مفاصل الحوض.

أو يكون جدار الرحم ضعيفًا، ونحو ذلك من الأمور الموجبة للعدول عن الولادة الطبيعية دفعًا للضرر المترتب عليها.

والحكم بالحاجة في هذا النوع من الجراحة راجع إلى تقدير الأطباء، فهم الذين يحكمون بوجودها، ولا يعد طلب المرأة أو زوجها مبررًا لفعل هذا النوع من الجراحة طلبًا للتخلص من آلام الولادة الطبيعية، بل ينبغي للطبيب أن يتقيد بشرط وجود الحاجة، وأن ينظر في حال المرأة وقدرتها على تحمل مشقة الولادة الطبيعية وكذلك ينظر في الآثار المترتبة على ذلك، فإن اشتملت على أضرار زائدة عن القدر المعتاد في النساء ووصلت إلى مقام يوجب الحرج والمشقة على المرأة، أو غلب على ظنه أنها تتسبب في حصول ضرر للجنين، فإنه حينئذ يجوز له العدول إلى الجراحة وفعلها، بشرط ألا يوجد بديل يمكن بواسطته دفع تلك الأضرار وإزالتها، والله تعالى أعلم" انتهى مختصرا.

والحاصل:

أن المرجع في المسألة إلى الأطباء، وتقديرهم نوع الخطر المتوقع من الولادة الطبيعية.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب