الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ما هي ضوابط إباحة ما تصطاده السباع؟

327421

تاريخ النشر : 18-01-2024

المشاهدات : 2476

السؤال

ما حكم أكل ما صاده السبع؟

ملخص الجواب

ما تصطاده سباع البهائم إنما يحل إذا كانت معلّمة، تصطاد لصاحبها، وبأمره وإرساله. فإن كان السبع غير معلّم، أو لا يقبل التعليم، وإنما يصطاد لنفسه كالأسد، فهذا لا يحل صيده إلا إذا أدرك صيده حيا فذبح، فيحل حينئذ.

الجواب

الحمد لله.

اسم "السبع": يطلق على كل حيوان مفترس يفترس بأنيابه أو بأظافره، وقد يخصّ بهذا الاسم الأسد.

وصيد السبع يطلق ويراد به أحد أمرين:

الأمر الأول:

أن يصطاد السبع لمالكه.

فصيده حلال؛ إذا كان هذا السبع معلّما يصطاد بإرسال مالكه، وهذا مثل الكلاب والفهود والصقور المعلّمة.

قال الله تعالى:

( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) المائدة/4.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله تعالى: ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ )، أي: أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق، وأحل لكم ما اصطدتموه بالجوارح، وهي من الكلاب والفهود والصقور وأشباه ذلك، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة، وممن قال ذلك: علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ )، وهنّ الكلاب المعلّمة والبازي، وكل طير يعلم للصيد والجوارح: يعني الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها. " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3 / 32).

وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" وكل ما يقبل التعليم، ويمكن الاصطياد به من سباع البهائم، كالفهد، أو جوارح الطير، فحكمه حكم الكلب في إباحة صيده... وبهذا قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي" انتهى من "المغني" (13 / 265).

وتعليم سباع البهائم الصيد يحصل بثلاثة أمور .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" وبماذا يحصل التعليم؟

يحصل تعليم الكلب: بكونه يسترسل إذا أُرسل، وينزجر إذا زُجر، وإذا أَمْسَك لم يأكل، يعني شروطه ثلاثة.

الأول: أن يسترسل إذا أرسل، بمعنى: أن صاحبه إذا رأى الصيد استرسل، أما إذا كان لا يسترسل إذا أرسل بمعنى: أنه إذا كان جائعًا استرسل، وإن كان غير جائع سكت" فهذا ليس بمعلم.

الثاني: أن ينزجر إذا زجر، وتحت هذا شيئان: الأول: أن يتوقف إذا زجر ليقف بعد أن ينطلق، والثاني: إذا استرسل بنفسه ثم إذا زجرته انطلق أكثر، هذا أيضًا من التعليم، فإن كان لا ينزجر إذا زجر فإنه ليس بمعلم، لو أنك رأيت الصيد وأشليته به، ثم بعد أن انطلق زجرته ولكنه لم ينزجر ما زال مندفعًا حتى أمسكه؛ فهذا ليس بمعلم؛ لأن كونه يعصيك إذا زجرته وذهب يقتل الصيد، يدل على أنه إنما قتل لنفسه.

الشرط الثالث: إذا أمسك لم يأكل، فإن أكل إذا أمسك فليس بمعلم، ولماذا؟ لأنه إذا أكل دل هذا على أنه إنما أمسك على نفسه، الشرط أن يكون أمسك على صاحبه، لقوله تعالى: ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ). فإذا أكل معناه أمسك لنفسه ... " انتهى من "فتح ذي الجلال والإكرام" (6 / 28).

ثم صيد الحيوان المعلّم لا يحل إلا إذا أرسله صاحبه إلى الصيد، فإن انطلق بنفسه إلى الصيد، فهنا قد صاد لنفسه فلا يحل صيده.

روى البخاري (5487)، ومسلم (1929) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: ( سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ، فَقَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ: فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ ).

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا أَرْسَلْتَ ): ما يدلّ على أن الإرسال لا بدّ أن يكون من جهة الصائد، ومقصودا له؛ لأنّ (أَفْعلَ): فِعلُ الفاعل، كأَخرَج، وأَكرم.

ثم هو فعلُ عاقلٍ، فلا بدّ أن يكون مفعولا لغرض صحيح.

وفيه مسألتان:

الأولى: أن يقصد الصائد عند الإرسال قصد التذكية والإباحة، وهذا لا يُختلَف فيه...

الثانية: لا بدّ أن يكون انبعاث الكلب بإرسالٍ من يد الصائد، بحيث يكون زمامه بيده فيُخلِّي عنه، ويُغرِيه عليه، فينبعث، أو يكون الجارح ساكنا مع رؤية الصيد، فلا يتحرّك له إلا بإغراء الصائد. فهذا بمنزلة ما زمامه بيده فأطلقه مُغريا له، على أحد القولين.

فأما لو انبعث الجارح من تلقاء نفسه، من غير إرسال ولا إغراء: فلا يجوز صيده، ولا يحل أكله؛ لأنّه إنّما صاد لنفسه، وأمسك عليها، ولا صنعَ للصائد فيه، فلا يُنسب إليه إرساله؛ لأنّه لا يصدق عليه: ( إِذَا أَرْسَلْتَ كلبَك الْمُعَلَّم ). ولا خلاف في هذا فيما علمته " انتهى من "المفهم" (5/206).

وهذا الصيد - الذي يصطاده الحيوان المعلّم بأمر وإرسال من صاحبه- إن أُدرك حيّا، وجبت ذكاته بالذبح.

روى مسلم (1929) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ ‌عَلَيْكَ ‌فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ ... ).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" ( فَإِنْ أَمْسَكَ ‌عَلَيْكَ ‌فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ ): هذا تصريح بأنه إذا ‌أدرك ‌ذكاته وجب ذبحه، ولم يحل إلا بالذكاة. وهو مجمع عليه ...

وأما إذا أدركه ولم تبق فيه حياة مستقرة، بأن كان قد قطع حلقومه ومريه أو أجافه أو خرق أمعاءه أو أخرج حُشوته: فيحل من غير ذكاة، بالإجماع.

قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب إمرار السكين على حلقه ليريحه " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (13/78).

وأما إن كان الحيوان الصائد غير معلّم، كأن يكون لا يقبل التعليم عادة، كالأسد والثعلب ونحوهما، فهذا لا يحلّ صيده إلا إذا أُدرك صيده حيا فذبح، فإنه يحل حينئذ.

روى البخاري (5488) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأَبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ رضي الله عنه: (وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي ‌لَيْسَ ‌مُعَلَّمًا، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ: فَكُلْ ).

النوع الثاني، مما يصطاده السبع:

أن يصطاد الحيوان لنفسه، كأن يهجم الأسد أو الذئب على الشاة فيقتلها ليأكلها، فما بقي من هذه الشاة يعتبر ميتة لا يجوز أكله، إلا إن أدركت وفيها حياة فذبحت فهنا يحل أكلها.

قال الله تعالى:

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) المائدة/3.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ) أي: ما عدا عليها أسد، أو فهد، أو نمر، أو ذئب، أو كلب، فأكل بعضها، فماتت بذلك؛ فهي حرام، وإن كان قد سال منها الدماء ولو من مذبحها، فلا تحل بالإجماع.

وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة ونحو ذلك، فحرم الله ذلك على المؤمنين.

وقوله: ( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) عائد على ما يمكن عوده عليه، مما انعقد سبب موته، فأمكن تداركه بذكاة، وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله: ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) يقول: إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح، فكلوه، فهو ذكي.

وعن علي قال: ( وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) قال: إن مصعت بذنبها، أو ركضت برجلها، أو طرفت بعينها: فكل.

... وهكذا روي عن طاوس، والحسن، وقتادة وعبيد بن عمير، والضحاك وغير واحد: أن المذكاة متى تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح، فهي حلال.

وهذا مذهب جمهور الفقهاء، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل ... " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3 / 22).

وقال القرطبي رحمه الله تعالى:

"قوله تعالى: ( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) نصب على الاستثناء المتصل، عند الجمهور من العلماء والفقهاء. وهو راجع على كل ما أدرك ذكاته من المذكورات وفيه حياة، فإن الذكاة عاملة فيه، لأن حق الاستثناء أن يكون مصروفا إلى ما تقدم من الكلام، ولا يجعل منقطعا إلا بدليل يجب التسليم له.

روى ابن عيينة، وشريك، وجرير، عن الركين بن الربيع، عن أبي طلحة الأسدي قال: سألت ابن عباس: ( عن ذئب عدا على شاة فشق بطنها حتى انتثر قُصْبُها [الأمعاء]، فأدركتُ ذكاتَها فذكيتُها؟ فقال: كُلْ، وما انتثر من قصبها فلا تأكل ). " انتهى من "تفسير القرطبي" (7 / 273 - 274).

قال إسحاق بن راهويه: وأما الشاة يعدو عليها الذئب، فيبقر بطنها، ويُخرج المصارين، حتى يُعلم أنه لا يعيش مثلها؛ فإن السنة في ذلك ما وصف ابن عباس؛ لأنه -وإن ‌خرجت ‌مصارينها- فإنها حية بعد، وموضع الذكاة منها سالم، وإنما يُنظر عند الذبح: أحية هي أم ميتة، ولا ينظر إلى: هل يعيش مثلها؟

وكذلك المريضة التي لا يُشك أنه مرض موت: جائز ذكاتها إذا أُدركت فيها حياة، وما دام الروح فيها فله أن يذكيها.

قال إسحاق: ومن قال خلاف هذا، فقد خالف السنة من جمهور الصحابة، وعامة العلماء" انتهى، نقله عن ابن عبد البر في "التمهيد" (3/561-562).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب