الحمد لله.
أولا:
يستحب للمصلي أن يسبح الله عشراً ، ويحمده عشراً ، ويكبره عشراً، في دبر الصلوات المكتوبات؛ لما رواه أبو داود (5065) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ : يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا ، وَيَحْمَدُ عَشْرًا ، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ .
وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ ، وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ ؟ قَالَ : يَأْتِي أَحَدَكُمْ - يَعْنِي : الشَّيْطَانَ - فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ ، وَيَأْتِيهِ فِي صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا، صححه الحافظ ابن حجر فى "تخريج الأذكار" (2 / 267)، وصححه الألباني في " الكلم الطيب " (113).
قال ابن رجب الحنبلي، رحمه الله: " وفي الذكر عقب الصلوات المكتوبات أحاديث أخر. وجمهور أهل العلم على استحبابه، وقد روي عن علي وابن عباسٍ وابن الزبير وغيرهم، وهو قول عطاءٍ والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم." انتهى، من "فتح الباري" (7/417).
والأفضل التنويع بين الصيغ والأعداد الواردة في التسبيح والتحميد والتهليل دبر الصلوات ، فيقول إحدى الصيغ يوما أو مدة من الزمن ، ويقول الأخرى مدة غيرها ، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم: (228520).
ثانيًا:
صلاة الجمعة كغيرها من الصلوات المكتوبات ؛ يستغفر المصلي بعدها ، ويسبح الله ويحمده ويكبره كما يفعل في سائر الصلوات المكتوبات .
أما صلاة العيد فلا يكون بعدها تسبيح ولا تحميد ولا تهليل؛ لسببين:
1- أن صلاة العيد يكون بعدها مباشرة خطبة العيد؛ ولا ينبغي للمأموم أن ينشغل عن استماع الخطبة بشيء .
2- أن التسبيح والتحميد والتكبير خاص بالصلوات المكتوبات، كما دلت عليه ظواهر الأحاديث الواردة فيما يقال دبر الصلوات من الأذكار. وإلى ذلك ذهب أكثر العلماء.
فمن هذه الأحاديث:
ما جاء عَنْ وَرَّادٍ ، كَاتِبِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ : أَمْلَى عَلَيَّ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ : لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ أخرجه البخاري (844)، ومسلم (593).
وما جاء عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ- دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ : ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً ، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً ، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً أخرجه مسلم (596).
ففي الحديثين تقييد الأذكار بالصلوات المكتوبة .
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في شرح حديث أبي هريرة: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ:
" ظاهِرُ قَوْلِهِ كُلِّ صَلاةٍ يَشْمَلُ الفَرْضَ والنَّفْلَ لَكِنْ حَمَلَهُ أكْثَرُ العُلَماءِ عَلى الفَرْضِ وقَدْ وقَعَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ التَّقْيِيدُ بِالمَكْتُوبَةِ وكَأنَّهُمْ حَمَلُوا المُطْلَقاتِ عَلَيْها وعَلى هَذا هَلْ يَكُونُ التَّشاغُلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ بِالرّاتِبَةِ بَعْدَها فاصِلًا بَيْنَ المَكْتُوبَةِ والذِّكْرِ أوْ لا مَحَلُّ النَّظَرِ واللَّهُ أعْلَمُ". انتهى، من "فتح الباري" (2/328).
وقال العلامة محمد بن سالم الشنقيطي، رحمه الله: " يتعلق بهذا الذكر؛ أعني الوارد في حديث الفقراء مسائل الأولى: محل هذا الذكر إثر الفرائض دون النوافل، فإن كان الفرض مما يتنفل بعده قدم هذا الذكر" . "لوامع الدرر، في هتك أستار المختصر" (2/154).
وقال الأمير الصنعاني: " (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة) مفروضة -فتخرج النوافل- عقيب الفراغ منها". انتهى، "التنوير شرح الجامع الصغير" (10/348).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير، حفظه الله: " ( وعن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة ).
مكتوبة: يعني مفروضة، المكتوبة هي المفروضة، ويخرج بذلك النوافل، فلا يقال بعد النوافل هذا الذكر، والمراد بالمكتوبة الخمس.
وهل يدخل في المكتوبات الواجبات عند بعض أهل العلم دون بعض، يعني صلاة الجنازة مثلاً فرض كفاية تدخل في المكتوبة؟ صلاة العيد عند الحنفية واجبة تدخل في المكتوبة؟ صلاة الوتر عندهم تدخل في المكتوبة؟
الظاهر أنه لا يدخل في هذا إلا الصلوات الخمس، مثل ما قيل في دعاء الاستفتاح، دعاء الاستفتاح في حديث أبي هريرة: "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " يعني هل هذا يشمل الجنازة فيه دعاء استفتاح؟ أو أن المراد بالصلاة الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود الفرائض والنوافل؟
هنا في دبر كل صلاة مكتوبة يعني مفروضة، وكون صلاة العيد واجبة، وصلاة الوتر واجبة عند الحنفية، لا يعني أنها مفروضة، فيختص هذا الذكر بالصلوات الخمس" انتهى، من "شرح المحرر" عبد الكريم الخضير (21/18) ترقيم الشاملة.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : هل التسبيح والدعاء بعد صلاة الفريضة يمكن أن نعملها بعد صلاة السنة، أي : بعد الانتهاء من الصلاة ، وما هو الدعاء والتسابيح المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب : " التسبيحات المأثورة كلها بعد الفريضة ، كان النبي يسمعه الصحابة ويعلمه الصحابة أما بعد النوافل ما في شيء ... إلا الاستغفار ، إذا سلم من النافلة يقول : أستغفر الله .. أستغفر الله .. أستغفر الله ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
أما الأذكار الأخرى كلها جاءت بعد الفريضة ، أما هذا فهذا بعد الفرض والنفل ، يقول ثوبان رضي الله عنه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثًا وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام . رواه مسلم وغيره ، ولم يقل : المكتوبة ؛ فدل على أنه من كل صلاة يستغفر في النافلة والفرض.
أما الأذكار : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه إلى آخره ، هذه إنما جاءت بعد الفرائض ، لم تبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الفرائض ، ولم يبلغنا عنه أنه فعلها بعد النوافل عليه الصلاة والسلام " انتهى، من موقع الشيخ على الإنترنت.
والله أعلم.
تعليق