الحمد لله.
أولا: هل للأم الرجوع في هبتها لأولادها؟
يحرم الرجوع في الهبة إلا هبة الوالد لولده؛ لما روى أبو داود (3539)، والترمذي(2132) والنسائي(3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
واختلف الفقهاء هل تلحق الأم بالأب، فيجوز لها الرجوع في الهبة أم لا؟
فذهب أبو حنيفية وأحمد إلى أنها لا تملك الرجوع.
وفصّل مالك، فقال: تملك الرجوع في حياة الأب، ولا تملك إن كان ميتا.
وذهب الشافعي إلى أن لها الرجوع، كالأب، وهو قول بعض الحنابلة.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (42/ 147).
ونسبه ابن حجر رحمه الله إلى أكثر الفقهاء.
قال في "الفتح" (5/ 215): " واستدل به أيضا على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه، وكذلك الأم وهو قول أكثر الفقهاء، إلا أن المالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا: للأم أن ترجع إن كان الأب حيا دون ما إذا مات" انتهى.
ومن حجة هذا القول: أنها تدخل في لفظ (الوالد) فهي والدة، وأنها ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها فينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضلته به تخليصاً لها من الإثم وإزالة التفضيل المحرم كالأب.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/ 55): " فصل: وظاهر كلام الخرقي، أن الأم كالأب، في الرجوع في الهبة؛ لأن قوله: " وإذا فاضل بين أولاده " يتناول كل والد، ثم قال في سياقه: " أمر برده " فيدخل فيه الأم. وهذا مذهب الشافعي؛ لأنها داخلة في قوله: " إلا الوالد فيما يعطي ولده ". ولأنها لما دخلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم ينبغي أن تتمكن من التسوية، والرجوع في الهبة طريق في التسوية، وربما تتعين طريقا فيها إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطية الأول.
ولأنها لما دخلت في المعنى في حديث بشير بن سعد، فينبغي أن تدخل في جميع مدلوله؛ لقوله: " فاردده ". وقوله: " فأرجعه ".
ولأنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها، ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به، تخليصا لها من الإثم، وإزالة للتفضيل المحرم، كالأب.
والمنصوص عن أحمد أنه ليس لها الرجوع. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: الرجوع للمرأة فيما أعطته ولدها كالرجل؟ قال: ليس هي عندي في هذا كالرجل؛ لأن للأب أن يأخذ من مال ولده، والأم لا تأخذ، وذكر حديث عائشة: أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه. أي كأنه الرجل.
قال أصحابنا: والحديث حجة لنا، فإنه خص الوالد، وهو بإطلاقه إنما يتناول الأب دون الأم، والفرق بينهما أن للأب ولاية على ولده، ويحوز جميع المال في الميراث، والأم بخلافه.
وقال مالك: للأم الرجوع في هبة ولدها ما كان أبوه حيا، فإن كان ميتا، فلا رجوع لها؛ لأنها هبة ليتيم وهبة اليتيم، لازمة، كصدقة التطوع، ومن مذهبه أنه لا يرجع في صدقة التطوع" انتهى.
ثانيا: شروط جواز رجوع الأب في هبته لولده
يشترط لجواز رجوع الأب في هبة ولده -والأم كذلك عند من أجازه- شروط منها:
أن تكون الهبة باقية في ملك الولد، فإن خرجت من ملكه لغيره، ببيع أو هبة أو غير ذلك، فلا رجوع.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة:
أحدها: أن تكون باقية في ملك الابن، فإن خرجت عن ملكه، ببيع أو هبة أو وقف أو إرث أو غير ذلك، لم يكن له الرجوع فيها؛ لأنه إبطال لملك غير الولد ... ثم ذكر باقي الشروط" انتهى من "المغني" (6/ 56).
وعليه ؛ فليس لوالدة زوجك الرجوع في هبتها؛ لأنها خرجت من ملك ابنها.
وإذا أراد زوجك تطييب خاطر أمه، فليعطها من ماله، إكراما وبرا.
وبكل حال، فالذهب مهرك، انتقل إليك من ملك زوجك الصحيح له، فلا يملك زوجك ولا غيره أخذه منك إلا برضاك.
وإذا أراد زوجك أن يعوض أمه ويرضيها بأي سبيل فهذا بينه وبينها.
والله أعلم.
تعليق