الحمد لله.
ذهب الشافعية إلى أن المرتد إذا تاب ورجع إلى الإسلام، فإنه يجب عليه أن يقضي كل الصلوات التي تركها في زمن ردته، مستدلين بحديث النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي رواه البخاري (597)، ومسلم (684).
فرأوا:
أن هذا الحديث يتناول المرتد بلفظه وبمفهومه.
قال الماوردي رحمه الله تعالى:
" وفيه –الحديث - دليلان:
أحدهما: أنه الناسي وهو التارك، كما قال سبحانه: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ التوبة/67.
أي: تركهم، والمرتد تارك، فوجب أن يلزمه القضاء بحق هذا الظاهر.
والدلالة الثانية: أنه أوجب القضاء على الناسي ونبه بإيجابه على العامد، لأنه أغلظ حالا من الناسي " انتهى من"الحاوي الكبير" (2 / 209 - 210).
وفرقوا بينه وبين الكافر الأصلي بأمرين:
الأمر الأول:
أن الكافر والمرتد ، وإن كانا مخاطبين بأوامر الشرع؛ إلا أن نصوص الشرع وأحكامه جعلت المرتد أشد مخاطبة وإلزاما من الكافر الأصلي.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
" إذا ارتد الرجل عن الإسلام، ثم أسلم : كان عليه قضاء كل صلاة تركها في ردته...
فإن قيل: فلم لم تجعله قياسا على المشرك: يسلم ، فلا تأمره بإعادة الصلاة؟
قيل: فرق الله عز وجل بينهما، فقال: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) ، وأسلم رجال، فلم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة، ومنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين، وحرّم الله دماء أهل الكتاب، ومنع أموالهم بإعطاء الجزية.
ولم يكن المرتد في هذه المعاني، بل أحبط الله تعالى عمله بالردة. وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عليه القتل إن لم يتب بما تقدم له من حكم الإيمان، وكان مال الكافر غير المعاهد مغنوما بحال، ومال المرتد موقوفا ليُغنم إن مات على الردة، أو يكون على ملكه إن تاب، ومال المعاهد له عاش أو مات.
فلم يجز إلا أن يقضي الصلاة والصوم والزكاة وكل ما كان يلزم مسلما؛ لأنه كان عليه أن يفعل؛ فلم تكن معصيته بالردة تخفف عنه فرضا كان عليه " انتهى من"الأم" (2 / 154).
الأمر الثاني:
أن المرتد سبق وأن التزم واعترف بأوامر الشرع، فلا تكون ردته عذرا للتملّص من قضاء ما وجب عليه.
قال الرافعي رحمه الله تعالى:
" فالكافر الأصلي مخاطب بالشرائع ، على أشهر وجهي أصحابنا في الأصول، لكن إذا أسلم لا يجب عليه قضاء صلوات أيام الكفر ، لقوله تعالى: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) .
والمعنى فيه : أن إيجاب القضاء ينفره عن الإسلام.
والردة لا تلحق بالكفر، بل يجب على المرتد قضاء صلوات أيام الردة...
لنا: أنه التزم الفرائض بالإسلام ، فلا يسقط عنه بالردة ، كحقوق الآدميين" انتهى من"شرح الوجيز" (3 / 95).
وقال الماوردي رحمه الله تعالى:
" ولأنه قد اعترف بشرائع الإسلام، والتزم القيام بها ، فلم يجز أن يكون عصيانه بالردة عذرا له في إسقاط ما لزمه، وقضاء ما تركه ، كالعاصي بشرب الخمر، أو فعل الزنا " انتهى من"الحاوي الكبير" (2 / 210).
ويحسن لمزيد الفائدة مراجعة جواب السؤال رقم : (220618)، ورقم : (203409).
والله أعلم.
تعليق