الحمد لله.
أولا:
هل يصح وصف الإسلام بأنه ذكوري أو أنثوي؟
الدين الذي شرعه الله لعباده يراعي مصلحة الرجل والمرأة، ويكلف كلا منهما بما يناسبه، ولا يصح أن يوصف بأنه ذكوري أو أنثوي، حتى لو فسر ذلك بما ذكرت؛ لأنه قصر للدين على جانب، ولأنه، مع نقصه وقصوره، وسماجته أيضا: متبع لأهواء أقوام من الناس اليوم؛ وكأن الدين لم يأت إلا بذلك.
فإذا قيل: إنه أنثوي لأنه راعى المرأة وحقوقها وشرع لها ما يناسبها، فهذا يفهم منه أنه لم يراع الرجل ولم يعطه حقه، والعكس بالعكس. مع ما فيه من "الإدهان" الظاهر، والميل بشرع الله لإرضاء أهواء "الذكوريين" مرة، و"الأنثويين" مرة أخرى، ودين الله أجل وأعظم من ذلك كله.
هذا على فرض صدور هذا الوصف من محب للدين معظم له، وإلا فهذا يقوله أعداء الدين ذما له وتنقصا منه، فيقولون: ذكوري، أي فضل الذكور واهتم بهم وآثرهم، وهضم الإناث حقوقهن، وهذا القول كفر بالله تعالى؛ لأنه اتهام له بالظلم، وقدح في دينه وشريعته، وكل قول صريح أو متضمن للاتهام لله أو للقدح في دينه وشرعه فهو كفر، كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ التوبة / 65 - 66.
وقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ محمد/9.
والله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم أحدا من خلقه، وقد أنزل شريعته عامة للرجال والنساء، يشتركون في معظم أحكامها، وينفردون في أحكام قليلة، روعي فيها ما يحقق مصلحتهم، ويناسب طبيعتهم.
والحاصل:
أنه لا يجوز أن يوصف الدين بأنه ذكوري أو أنثوي، ولو كان على غير وجه التنقص؛ لأنه يتضمن معنى باطلا.
ثانيا:
هل يجوز مخاطبة المرأة يا ناقصة العقل والدين؟
لا يجوز خطاب المرأة بيا ناقصة العقل والدين، أو بيا نويقصة؛ لأن الخطاب بذلك إيذاء وإهانة، حتى لو كانت –في حقيقة الأمر- ناقصة العقل والدين، وهذا مثل أن يقال للمرأة حال حيضها: يا حائض، أو يقال لرجل ضعيف العقل: يا ناقص العقل، أو للعاجز: يا عاجز، أو لمريض بالبرص: يا أبرص.
ففرقٌ بين الإخبار عن حالة شخص أو جنس أو نوع، وبين المخاطبة بذلك.
والأصل تحريم إيذاء المؤمن أو المؤمنة، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا الأحزاب/58
وروى الترمذي (2032) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ وصححه الألباني، ورواه أحمد (22402) من حديث ثوبان رضي الله عنه.
ونقصان عقل المرأة جاء مبينا في الحديث، وهو راجع إلى غلبة عاطفتها التي تمنعها من ضبط الأحداث التي تمر عليها، فاحتاجت في الشهادة إلى من يكملها ويذكرها إن نسيت.
ونقصان الدين جاء مبينا أيضا، وهو في عدم صلاتها وصومها في أيام حيضها ونفاسها، وهو نقصان لا تذم به، وليس في إمكانها دفعه، لكنه نقصان بالنسبة لغيرها ممن لا يمتنع عن الصلاة والصوم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فنقصان عقل المرأة ودينها ليس نقصانا عاما، وإنما هو فيما ذكرنا، وهو نقصان لا تذم به، لأنه ليس باختيارها، وإنما يذم الإنسان على ما يفعله باختياره، كما لو كان فاحشا أو بذيئا أو ظالما أو متهاونا في صلاته، فتعيير المرأة بالنقصان، هو كما لو قيل للأعرج: يا أعرج، وللأعمى: يا أعمى، فهذا كله إيذاء ممنوع، ومن احتج بالحديث على جواز ذلك كان جاهلا، ولهذا لا يعرف على مدار القرون أن صحابيا أو تابعيا أو فاضلا بعدهما كان ينادي المرأة: يا ناقصة، أو يا نويقصة؛ وقائل مثل هذا ظاهر الجفاء، والنطاعة، والجهل بموارد الخطاب الشرعي، ومقاصده.
والله أعلم.
تعليق