الحمد لله.
ثبت استعمال الصحابة للخمير
ثبت استعمال الصحابة رضي الله عنهم استعمال الخمير في الخبز، كما روى البخاري (5432) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كُنْتُ أَلْزَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشِبَعِ بَطْنِي، حِينَ لاَ آكُلُ الخَمِيرَ وَلاَ أَلْبَسُ الحَرِيرَ...".
قال العيني في "عمدة القاري" (16/ 220): " الخمير، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم، وَهُوَ الْخبز الَّذِي خُمِّر، وَجعل فِي عجينه الخميرة" انتهى.
وقال الجوهري في "الصحاح" (2/ 650): " والخَميرُ والخَميرَةُ: الذي يُجْعَلُ في العَجينِ. تقول: خَمَرْتُ العجينَ أَخْمُرُهُ وأَخْمِرُهُ خَمْراً: جعلت فيه الخَميرة" انتهى.
أثر الخميرة في الطعام وحكم ذلك
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم الخميرة التي يفعلونها في الدقيق لتساعد على تخميره، وتسهيل طبخه، فبعض الناس يقول إنها خمرة ولا يجوز استعمالها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أجيبهم على هذا بأنه لا بأس بوضع الخميرة في العجين لأجل أن يتخمر ، لأن هذا لا يؤثر فيه شيئاً .
ثم هذا الخميرة أيضاً لا أظن أنها تسكر لو أن الإنسان تناولها وأكلها .
والأصل في جميع المطعومات وفي جميع المشروبات وفي جميع الملبوسات: الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل على التحريم ، لقول الله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة/29.
فلا بأس من وضع الخميرة في العجين لأجل أن يتخمر" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (20/ 2).
وعليه ؛ فإن ثبت أن التخمر لا يكون إلا بعد مرحلة الكحول، فيكون هذا دليلا لمن قال إن توسط الكحول أو الخمر، في صناعة شيء مباح: لا حرج فيه ما دام لا يقصد الخمر، وهو ما ذهب إليه الشافعية.
قال ابن العطار رحمه الله: "إنما يقع التحريم فيه إذا عصر لقصد الخمرية، أما إذا عصر لقصد الخليّة، فالتحريم فيه حال كونه خمرا، أما في حال عصره، فلا يحرم؛ حيث لم يسكر، ولم يقصد بعصره الخمرية، وأما في حال كونه يصير خلا؛ فلأنه قصد بعصره له دون الخمرية. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( نعم الإدام الخل )، ولو كان حراما، لم يقل ذلك؛ حيث إنه لا يتصور وجود خل إلا بعد تخميره " انتهى من "العدة في شرح العمدة" (3/ 1647).
وأما "الخميرة" ، أيا ما كان حالها: فإنها لا تبقى في الخبز الذي يؤكل، بل تستحيل فيه، وتتلاشى بخَبْزه.
قال الشيخ زكريا الأنصاري، رحمه الله: " (أو) قال (إن أكلت طبيخك) فأنت طالق (فوضعت القدر على نار) غير موقدة (فأوقدها غيرها ، أو) إن أكلت (طعامك) فأنت طالق ، (فخمر عجينه منه) ، بأن أخذ منه خميرا، أو ماء، أو ملحا، فعجن به دقيقه ، (وأكله) ؛ أي ما طبخ أو عجن : (لم يحنث) ؛ لأن الذي طبخ في الأولى غير الزوجة . وطعامها في الثانية مستهلك فأشبه ما لو حلف لا يأكل سمنا فأكله في عصيدة قد استهلك فيها ..." (3/329).
وجاء في "المحيط البرهاني" – حنفي – (3/491): " حلف بالطلاق أن لا يأكل من مال (أخيه) شيئاً، فجعل خميرة الخبز في دقيق الحالف، وَخَبَزهُ، وأكل؟
قال الحسن بن زياد رحمه الله: لا يلزمه الطلاق؛ لأن الخمير قد ذهب." انتهى.
فما دام أن الخبز لا يسكر كثيره، قطعا ، والكحول الذي تكون فيه أثناء التخمر، يسير، ويتبخر بالحرارة عند خَبزه: فلا حرج في تناول الخبز.
وليس هذا كمن أتى بخمر، أو كحول: فوضعه في الطعام، أو أتى إلى الخمر، فجعلها خلا، وإنما هنا أتي بشيء مباح غير مسكر، وهو الخميرة، فوضع في العجين، فإذا نشأ عن ذلك الكحول، وتخمر الخبز، ثم ذهب أثر الكحول، فلا شيء في ذلك.
والله أعلم.
تعليق