الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم نبش قبور الكفار والمنافقين؟

358667

تاريخ النشر : 10-06-2021

المشاهدات : 9687

السؤال

هل يجوز نبش قبر الكافر والزنديق والملحد والمنافق ؟

ملخص الجواب

1. المنافق الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر، فهذا يعامل معاملة المسلم؛ لأن الناس في هذه الدنيا يعاملون على حسب ما يظهرون من إيمان أو كفر، وأما باطن أمرهم فمرجعه إلى الله تعالى. وعلى ذلك تعامل جثة المنافقين معاملة جثة المسلمين فيدفنون في مقابر المسلمين، ولا تنبش قبورهم إلا لمصلحة راجحة وحاجة ماسة لا بد منها، كما هو الحال في قبور المسلمين عامة. 2. وأما الكفار،  فهم على قسمين: فمَن بينهم وبين المسلمين عهد على المسالمة وعدم القتال، فهؤلاء لا يجوز نبش قبورهم. وأما الكافر الحربي وهو الذي لا عهد بينه وبين المسلمين بل هو محارب لهم، فهذا لا حرمة له، لكن لا ينبغي نبش قبره إلا إذا كان هناك مصلحة في ذلك. وينظر تفصيل ذلك في الجواب المطول.

الحمد لله.

أولا:

المنافق يعامل معاملة المسلم

المنافق الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر، فهذا يعامل معاملة المسلم؛ لأن الناس في هذه الدنيا يعاملون على حسب ما يظهرون من إيمان أو كفر، وأما باطن أمرهم فمرجعه إلى الله تعالى.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ  رواه البخاري (392).

وفي لفظ آخر عند البخاري: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ  البخاري (391).

قال البغوي رحمه الله تعالى:

"وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضا، إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، وأن من أظهر شعار الدين أُجري عليه حكمه، ولم يُكشف عن باطن أمره." انتهى من "شرح السنة" (1 / 70).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

"وفيه –حديث أنس- أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك." انتهى من "فتح الباري" (1 / 497).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة، فإن المنافقين الذين قالوا: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) هم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس، ويصومون ويحجون ويغزون، والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم، كما كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك." انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 / 210).

حكم نبش قبر المنافق 

وعلى ذلك؛ فالمنافق تعامل جثته معاملة جثة المسلم فيدفن في مقابر المسلمين، ولا ينبش قبره إلا لمصلحة راجحة وحاجة ماسة لا بد منها، كما هو الحال في قبور المسلمين عامة.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (32 / 252):

"اتفق الفقهاء على منع نبش القبر إلا لعذر وغرض صحيح." انتهى.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":

"الأصل أنه لا يجوز نبش قبر الميت وإخراجه منه، لأن الميت إذا وضع في قبره، فقد تبوأ منزلا وسبق إليه؛ فهو حبس عليه [ أي: وقف] ليس لأحد التعرض له، ولا التصرف فيه. ولأن النبش قد يؤدي إلى كسر عظم الميت وامتهانه. 

وإنما يجوز نبش قبر الميت وإخراجه منه إذا دعت الضرورة إلى ذلك، أو مصلحة إسلامية راجحة يقررها أهل العلم.  

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عبد الله بن قعود، عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز." انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9 / 122).

ثانيا:

حكم نبش قبور الكفار

وأما الكفار فهم على قسمين: 

الأول: من لهم حرمة، وهو الذمي والمعاهد والمستأمن.

أي مَن بينهم وبين المسلمين عهد على المسالمة وعدم القتال، فهؤلاء لا يجوز نبش قبورهم.

جاء في "مطالب أولي النهى" في الفقه الحنبلي (1 / 919):

"(وكذا) يحرم نبش ميت (ذمي) دفن (بـ) أرض منفكة عن الاختصاصات (غير) أرض (الحرم)، فلا ينبش مع بقاء رِمَّته، (لأنه محترم)، وأما إذا دفن بالحرم فينبش، وهو متجه." انتهى.

القسم الثاني: الكافر الحربي، وهو الذي لا عهد بينه وبين المسلمين، بل هو محارب لهم، فهذا لا حرمة له، وهو أهون من القسم الأول، لكن لا ينبغي نبش قبره إلا إذا كان هناك مصلحة في ذلك.

قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:

"قال بعضهم: وإن غلب المسلمون على أرض الحرب، لم تنبش قبورهم، نص عليه [يعني: نص الإمام أحمد على هذا القول]، ولا تنبش مقبرة عتيقة إلا لضرورة، والمراد: مع بقاء رمته، وقد كان موضع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبور المشركين، فأمر بنبشها. ونقل المروذي فيمن أوصى ببناء داره مسجدا فخرجت مقبرةً، فإن كانوا مسلمين لم يُخرجوا؛ وإلا أخرجت عظامهم.

ويتوجه: ويجوز نبش قبر الحربي لمال فيه، ولا تصريح بخلافه، بل هو ظاهر كلام من جوَّزه لمصلحة، وفاقا للشافعية والمالكية، واحتجت بأن الصحابة رضي الله عنهم نبشت قبر أبي رِغال، وكرهه مالك." انتهى من "الفروع" (3 / 388).

وجاء في "مطالب أولي النهى" في الموضع السابق:

"(ويباح نبش قبر حربي لمصلحة كجعله)، أي: قبر الحربي (مسجدا)." انتهى.

أما إذا لم يكن هناك مصلحة في نبش قبره، فإنه لا ينبش. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن قتلى الكفار بعد معركة بدر، ولم يتركهم في الصحراء، كما أمر بدفن عمه أبي طالب لما مات.

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

"ودفن الكافر الحربي وغيره: فرض. 

عن قتادة، قال: ذكر لنا أنس بن مالك: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث).

وقد صح نهيه - عليه السلام - عن المثلة. 

وترك الإنسان لا يدفن: مُثْلة... " انتهى من "المحلى" (3 / 338).

وجاء في "الوسوعة الفقهية الكويتية" (21 / 13):

"لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يجوز للمسلم أن يدفن كافرا ولو قريبا إلا لضرورة، بأن لا يجد من يواريه غيره فيواريه وجوبا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما أخبر بموت أبي طالب قال لعلي رضي الله عنه: (اذهب فواره)، وكذلك قتلى بدر ألقوا في القليب، أو لأنه يتضرر بتركه ويتغير ببقائه." انتهى.

والأمر بدفن الكافر، يستلزم النهي عن نبش قبره إلا لمصلحة كما سبق. 

ولأن نبشه قد يؤدي إلى مفسدة أعظم حيث يجعل الكفار يعتدون على مقابر المسلمين وينبشونها.

والواجب على المسلم أن ينظر إلى ما تؤول إليه الأمور، فإذا كان المباح سيؤدي إلى مفسدة فإنه يمنع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة كما قد بسطناه في قاعدة سد الذرائع وغيرها، وبيّنا أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرا، كان سببا للشر والفساد، فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة، نهي عنه.

بل كل سبب يفضي إلى الفساد نهي عنه، إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، فكيف بما كثر إفضاؤه إلى الفساد " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4 / 465).

وقال الشاطبي رحمه الله تعالى:

"الأدلة الشرعية والاستقراء التام أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية..." انتهى من "الموافقات" (5 / 179).

الله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب