السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

من الذي لا يقبل منه الصيام؟

365872

تاريخ النشر : 30-09-2024

المشاهدات : 573

السؤال

من الذين لا يقبل صيامهم؟ هل منهم الذين يمنون على الناس، والذين يتبعون الفرق الضالة، والتي تتحجب فى رمضان فقط، ومن يصلى فى رمضان فقط؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قبول العبادة يأتي في الشرع بأحد معنيين، إما بمعنى وقوع العبادة صحيحة بحيث لا يطالب العبد بإعادتها، وإما بمعنى حصول الثواب عليها.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطّاعة مجزئة، رافعة لما في الذّمّة…

وأمّا القبول المنفيّ في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ ): فهو الحقيقيّ؛ لأنّه قد يصحّ العمل ويتخلّف القبول لمانع، ولهذا كان بعض السّلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحبّ إليّ من جميع الدّنيا، قاله ابن عمر. قال: لأنّ اللّه تعالى قال: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } ” انتهى “فتح الباري” (1 / 234).

فأما القبول الذي بمعنى صحة الصوم وعدم مطالبة العبد بإعادته: فضابطه أن يقع بنية، خاليا من ارتكاب مبطلات الصيام، كالأكل والشرب والجماع، وقد سبق تفصيلها في جواب السؤال رقم: (38023).

وأما القبول بمعنى حصول الثواب:

فيكون بإيقاع الصوم على وجهه صحيح فهو سبب لحصول الثواب.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

” القواعد الشرعية تقتضي: أن العبادة إذا أتي بها مطابقة للأمر، كانت سببا للثواب والدرجات والإجزاء.

والظواهر في ذلك لا تنحصر ” انتهى “إحكام الأحكام” (1 / 14).

ثانيا:

يشترط لحصول الثواب أيضا، أن يتقي الصائم المعاصي والبدع في صومه.

قال الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ المائدة/27.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

” ومعنى قوله: ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) أي: ممن اتقى الله في فعله ذلك…

ثم ذكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ). ” انتهى. “تفسير ابن كثير” (3 / 85).

فالصائم الذي يمسك نفسه عن الأكل والشرب ثم ينهمك في مخالفة أحكام الشرع، فإنه لم يأت بحقيقة الصوم التي يستحق عليها الثواب، كما ينص حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وَشَرابَهُ رواه البخاري (1903).

وقد بوّب ابن خزيمة في “الصحيح” (3 / 242) ، فقال: ” بَاب نَفْيِ ثَوَابِ الصَّوْمِ عَنِ الْمُمْسِكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، مَعَ ارْتِكَابِهِ مَا زُجِرَ عَنْهُ غَيْر الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ “.

ثم ذكر في ترجمته حديث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:

رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ  ورواه الإمام أحمد في “المسند” (14 / 445)، وجوّد إسناده محققو المسند.

فالمعاصي تنقص ثواب الصيام ، فإذا زادت فقد تذهبه بالكلية.

وقد كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهْرة للأنفس والجوارح، وتَنزُّهًا عن المعاصي والآثام .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليس الصيام من الشراب والطعام وحده ، ولكنه من الكذب والباطل واللغو .

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري : إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب ، والمأثم ، ودع أذى الخادم ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء .

ذكر ذلك وغيره من الآثار: ابن حزم في ” المحلى ” ( 4 / 308 ) .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

أما الذي يجب عنه الصوم : فلعلكم تستغربون إذا قلت : إن الذي يجب عنه الصوم هو: المعاصي , يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي ؛ لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم ؛ لقول الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 ، لم يقل : لعلكم تجوعون ! أو لعلكم تعطشون ! أو لعلكم تمسكون عن الأهل ! لا ، قال : ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) , هذا هو المقصود الأول من الصوم , وحقَّق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأكده بقوله : (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) إذاً أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عز وجل , هذا هو الصوم الحقيقي ، أما الصوم الظاهري : فهو الصيام عن المفطرات , الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ لقوله تعالى : ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) البقرة/187 ، هذا صوم نسميه الصوم الظاهري، صوم البدن فقط , أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول : فهو الصوم عن معاصي الله عز وجل .

وعلى هذا : فمن صام صوماً ظاهريّاً جسديّاً ، ولكنه لم يصم صوماً قلبيّاً : فإنَّ صومه ناقص جدّاً جدّاً , لا نقول : إنه باطل ، لكن نقول : إنه ناقص , كما نقول في الصلاة , المقصود من الصلاة الخشوع والتذلل لله عز وجل , وصلاة القلب قبل صلاة الجوارح , لكن لو أن الإنسان صلّى بجوارحه ولم يصلِ بقلبه ، كأن يكون قلبه في كل وادٍ : فصلاته ناقصة جدّاً , لكنها مجزئة حسب الظاهر ، مجزئة لكنها ناقصة جدّاً , كذلك الصوم ناقص جدّاً إذا لم يصم الإنسان عن معصية الله , لكنه مجزئ ؛ لأن العبادات في الدنيا إنما تكون على الظاهر” انتهى.

” لقاءات الباب المفتوح ” ( 116 / ص 1 ).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (93723).

ثالثا:

من أسباب قبول الصيام، كذلك: أن يصوم الصائم محتسبا الأجر من الله، راغبا فيه، ولا يكون صومه تقليدا للناس أو حياء منهم.

ولهذا؛ فإن من يصوم عادة لا عبادة، لم يصم في حقيقة الأمر، وكذلك من يصلي أو تتحجب أو يطيع الله في رمضان، ثم يعود إلى المعصية والتبرج بعد رمضان: فقد فتر عن العبادة والطاعة فترة مذمومة، يخشى عليه منها، إن لم يتداركه الله بلطفه. فمن أداه فتوره إلى ترك الفرائض والوقوع في المحرمات ، فهو على خطر عظيم ، وفتوره حينئذ معصية تستوجب الخوف من سوء الخاتمة نسأل الله العافية .
أما من كان فتوره في الفضائل والنوافل ، وهو مع ذلك محافظ على الفرائض والواجبات ، مجتنب للكبائر والمحرمات ، ولكن قلَّ نصاب الساعات التي كان يقضيها في طلب العلم مثلا ، أو في قيام الليل ، أو في قراءة القرآن الكريم ، فمِثلُه يُرجَى له أن تكون فترته عَرضا زائلا ، وآفةً مؤقتة ، تنتهي بعد مدة قصيرة إن شاء الله ، ولكن تحتاج إلى شيء من السياسة الحكيمة في العلاج والمداواة .
وهذا هو معنى ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا فَقَالَ: تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ ؛ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ ، فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ : فَلِأُمٍّ مَا هُوَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي : فَذَلِكَ الْهَالِكُ رواه أحمد (2/165) وحسنه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (رقم/2850) .
قوله : ( فَلِأُمٍّ مَا هُوَ ) أي : قد رجع في فترته إلى أصل عظيم ، يعني : السنة ، أو : إنه ما زال على الصراط المستقيم ، ما دام متمسكاً بالكتاب والسنة ، وفي بعض الروايات : ( فقد أفلح ) .

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (114489)، ورقم: (50063).

والحاصل:

أن على الصائم، إذا رجا قبول صومه من الله، أن يحافظ عليه، بأن يصوم عن المعاصي، كما يصوم عن المفطرات، وأولى. وأن يجتهد في الحفاظ على طاعته، لا سيما الفرائض منها، في رمضان، وبعد رمضان.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب