الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل يجزئ إخراج زكاة الفطر عن أولاده البالغين دون إذنهم؟

369624

تاريخ النشر : 14-04-2022

المشاهدات : 32288

السؤال

النقطة الأولى : يرجى بيان الأقوال الفقهية التي تجيز للأب إخراج زكاة الفطرة عن أولاده البالغين دون أخذ اذنهم أو حتى معرفتهم؛ لأنني أخرجها عنهم منذ عدة سنوات، ومن الصعوبة إعادة اخراجها عنهم من جديد؟ النقطة الثانية : أعطي والدي مساعدة مالية؛ لأن دخله الشهري لا يكفيه، ولكنني لا أخرج عنه زكاة الفطر طوال السنين الماضية؛ لأنني أعتقد أنني بمساعدته بالمادية سيقوم هو بإخراجها عن نفسه، وأنا لا أسأله عن ذلك، ومن الصعوبة إعادة اخراجها عنه من جديد؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الزكاة عبادة لا بد لها من نية من مخرجها، ولهذا من أخرج عن غيره، ممن لا تلزمه فطرته، لزمه أن يخبره لينوي الزكاة.

قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البينة/5 ، وقال تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، وقال تعالى : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ الزمر/2 ، وقال عليه الصلاة والسلام : إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى رواه البخاري(1)، ومسلم (1907)، فدل ذلك على أن الزكاة لا تصح إلا بنية.

قال النووي رحمه الله :"لا يصح أداء الزكاة إلا بالنية، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والثوري وأحمد وأبو ثور وداود وجماهير العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)؛ وشذ عنهم الأوزاعي فقال: لا تجب. [يعني: النية في الزكاة]،  ويصح أداؤها بلا نية كأداء الديون" انتهى من "المجموع" (6/158).

وقال ابن قدامة في "المغني" (2/264): "مذهب عامة الفقهاء: أن النية شرط في أداء الزكاة، إلا ما حكي عن الأوزاعي أنه قال : لا تجب لها النية" انتهى .

وقال ابن مفلح في "الفروع" (4/ 254): "من أخرج من ماله زكاة عن حي بلا إذنه: لم تجزئه، ولو أجازها؛ لأنها ملك المتصدق فوقعت عنه، بخلاف من أخرجها من مال المخرَج عنه بلا إذنه، وأجازها رب النصاب، وصح تصرف الفضولي موقوفا، فإنها تجزئ؛ لأنها لا تقع عن المخرج" انتهى.

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"إذا كان المدين أخرج الزكاة عن الدين الذي عليه بدون إذن صاحبه، وأخرجها ليس عن نفسه ولكن عن صاحب الدين ، فهل تجزئ عن صاحب الدين أو يلزمه إخراجها مرة أخرى ؟

فأجاب : "كل من أخرج زكاة عن شخص لم يوكله ، فإنها لا تجزئه عنه ؛ لأن الزكاة لابد فيها من النية ، وليست كقضاء الدين ، قضاء الدين ، إذا قضيت ديناً عن شخص بدون إذنه ونويت الرجوع عليه ترجع عليه ، أما الزكاة ، فإنها لا تصح إذا أخرجتها عن شخص بدون توكيله ، وذلك لأن الزكاة عبادة تحتاج إلى نية لمن هي عليه ، وإذا لم يوكلك ، فإنك تكون قد أخرجتها عنه بدون نية منه ، وحينئذ لا تصح ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)" انتهى من "نور على الدرب" .

ثانيا:

يلزم الرجل نفقة أولاده ولو كانوا بالغين قادرين على الكسب، ما داموا فقراء، كما هو مذهب الحنابلة.

قال ابن قدامة رحمه الله: "ولا يشترط في وجوب نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة، ولا نقص الأحكام، في ظاهر المذهب، وظاهر كلام الخرقي؛ فإنه أوجب نفقتهم مطلقا، إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم...

وقال الشافعي: يشترط نقصانه، إما، من طريق الحكم، أو من طريق الخلقة.

وقال أبو حنيفة: ينفق على الغلام حتى يبلغ، فإذا بلغ صحيحا، انقطعت نفقته، ولا تسقط نفقة الجارية حتى تتزوج.

ونحوه قال مالك، إلا أنه قال: ينفق على النساء حتى يتزوجن، ويدخل بهن الأزواج، ثم لا نفقة لهن، وإن طلقن" انتهى من "المغني"(8/ 215).

وعليه؛ فلو كان أولادك البالغين فقراء، فنفقتهم عليك، وإخراجك زكاة الفطر عنهم دون إذنهم صحيح.

روى عبد الرزاق في "المصنف" (5773) عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُكَ: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ".

وقد روى البيهقي في "السنن"(4/ 272) عن نافع، عن ابن عمر: " أنه كان يؤدي زكاة الفطر عن كل مملوك له، في أرضه وغير أرضه، وعن كل إنسان يعوله من صغير أو كبير، وعن رقيق امرأته".

وكان له مكاتب بالمدينة فكان لا يؤدي عنه".

وقد توسع الحنابلة فقالوا: يخرج عمَّن يمونه في رمضان ولو لم تكن نفقته واجبة.

وعلى ذلك؛ فلو تبرع بالنفقة على شخص خلال شهر رمضان، لزمته فطرته، وإذا لزمته لم تكن نية المخرَج عنه معتبرة.

قال في "شرح المنتهى" (1/ 440): " (و) حتى (متبرع بمؤنته رمضان) نصا [أي : نص عليه الإمام أحمد] . لعموم حديث : أدوا صدقة الفطر عمن تمونون" انتهى.

والحديث المذكور قال عنه العراقي: رواه الدارقطني والبيهقي وقال : إسناده غير قوي ، ورواه البيهقي أيضا من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – مرسلا، وفي رواية عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا أيضا؛ قال النووي في شرح المهذب: الحاصل أن هذه اللفظة ممن تمونون ليست بثابتة اهـ...

ثم إن المعتمد القياس على النفقة، مع ما انضم إلى ذلك من فعل ابن عمر راوي الحديث، ففي الصحيحين عنه أنه كان يعطي عن الصغير والكبير. قال نافع : حتى إن كان ليعطي عن بنيه" انتهى من "طرح التثريب" (4/ 58).

ثالثا:

إذا كان دخل والدك لا يكفيه، وكنت قادرا على النفقة عليه، لزمتك نفقته.

فإن كانت المساعدة التي تقدمها له، تحقق له الكفاية، فقد أديت ما عليك، وحينئذ تلزمه فطرة نفسه، فيخرجها من المال الذي معه، فإن كان لم يخرجها فهي دين عليه، ولا يلزم الابن سداد دين أبيه.

وننصحك من باب البر أن تتحقق من كونه كان يخرج الفطرة أم لا، فإن كان لم يخرجها، فادعه إلى إخراجها، وبين له أن الواجب لا يسقط بالتقادم، وأعنه من مالك إن كان ذلك لا يشق عليك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب