الحمد لله.
لا تجوز الشهادة إلا عن علم ويقين؛ لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الزخرف/86، وقوله: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ الفرقان/72.
وجاء في الحديث عن ابن عباس: "أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الشهادة فقال للسائل: ترى الشمس؟ قال: نعم، فقال: على مثلها فاشهد، أو دع.
رواه العقيلي، والحاكم، وأبو نعيم في "الحلية"، وابن عدي، والبيهقي، من حديث طاوس، عن ابن عباس، وصححه الحاكم، وضعفه ابن حجر وقال: "في إسناده محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف، وقال البيهقي: لم يرو من وجه يعتمد عليه" انتهى من "التلخيص الحبير" (4/ 363).
ولكن معناه صحيح، فلا بد من العلم والتحقق في الشهادة، فإذا شهد الإنسان على فعل كالضرب أو الإتلاف، فالعلم بذلك لا يكون إلا بالإبصار والمشاهدة، ولا يكفي السماع.
قال في "مغني المحتاج" (6/373): " (ولا تجوز شهادة على فعل كزنا) وشرب خمر (وغصب وإتلاف وولادة) ورضاع واصطياد وإحياء وكون اليد على مال (إلا بالإبصار) له مع فاعله؛ لأنه يصل به إلى العلم واليقين، فلا يكفي فيه السماع من الغير، قال تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم [الإسراء: 36] وقال - صلى الله عليه وسلم -: على مثلها فاشهد" انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (10/139): " وجملة ذلك أن الشهادة لا تجوز إلا بما علمه؛ بدليل قوله تعالى: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف: 86] . وقوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [الإسراء: 36] . وتخصيصه لهذه الثلاثة بالسؤال؛ لأن العلم بالفؤاد، وهو يستند إلى السمع والبصر؛ ولأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع، وهما بالبصر والسمع. وروي عن ابن عباس، أنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشهادة، قال: هل ترى الشمس؟ . قال: نعم. قال: على مثلها فاشهد أو دع . رواه الخلال، في " الجامع " بإسناده.
إذا ثبت هذا، فإن مدرك العلم الذي تقع به الشهادة اثنان: الرؤية والسماع، وما عداهما من مدارك العلم كالشم والذوق واللمس، لا حاجة إليها في الشهادة في الأغلب.
فأما ما يقع بالرؤية، فالأفعال؛ كالغصب، والإتلاف، والزنى، وشرب الخمر، وسائر الأفعال، وكذلك الصفات المرئية؛ كالعيوب في المبيع، ونحوها، فهذا لا تتحمل الشهادة فيه إلا بالرؤية؛ لأنه يمكن الشهادة عليه قطعا، فلا يرجع إلى غير ذلك" انتهى.
وعليه؛ فلا يجوز أن تشهد أن ابنة أخيك قد ضربها زوجها إلا إذا شاهدته يضربها، ولا تكفي رؤية آثار الجروح، لو كنت رأيتها، ولا سماعها، أو سماع أهلك: يحكون أنه ضربها.
والله أعلم.
تعليق