الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ما المقصود بقوله تعالى: (فمحونا آية الليل)؟

373865

تاريخ النشر : 20-03-2022

المشاهدات : 13645

السؤال

قرأت في أحد التفاسير أن المقصود بقوله تعالى: (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ) هو السواد الذي في القمر، فهل المقصود بالسواد هو ظلمة الليل أو تلك البقع السوداء على سطح القمر؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

قال تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعَلَّمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً الإسراء/12.

في قوله تعالى : ( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ ) وجهان :

1- أن يكون المراد بآية الليل = الليل نفسه ، وعليه : فالآية لا تتكلم عن القمر .

2- أن يكون المراد بآية الليل القمر ، وعليه : فالمراد : البقع السوداء عليه ، وأنه لا يضيء .

قال " ابن جزي" في "التسهيل لعلوم التنزيل" (1/ 442): "( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ ) فيه وجهان:

أحدهما : أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما ، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار كقولك : مسجد الجامع أي الآية التي هي الليل ، والآية التي هي النهار ، ومحو آية الليل على هذا كونه مظلمًا.

والوجه الثاني: أن يراد بآية الليل القمر، وآية النهار الشمس، ومحو آية الليل على هذا كون القمر لم يُجعل له ضوءُ الشمس .

( وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) يحتمل أن يريد النهار بنفسه ، أو الشمس "انتهى.

ثانيًا :

قال "ابن كثير" في "التفسير" (5/ 49 - 50) : " يَمْتَنُّ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ بِآيَاتِهِ الْعِظَامِ ، فَمِنْهَا مُخَالَفَتُهُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لِيَسْكُنُوا فِي اللَّيْلِ وَيَنْتَشِرُوا فِي النَّهَارِ لِلْمَعَايِشِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَسْفَارِ ، وَلِيَعْلَمُوا عَدَدَ الْأَيَّامِ وَالْجُمَعِ وَالشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ ، وَيَعْرِفُوا مُضِيَّ الْآجَالِ الْمَضْرُوبَةِ لِلدُّيُونِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ: لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ: فِي مَعَايِشِكُمْ وَأَسْفَارِكُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الزَّمَانُ كُلُّهُ نَسَقًا وَاحِدًا، وَأُسْلُوبًا مُتَسَاوِيًا، لَمَا عُرِفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الْقَصَصِ: 71 -73] ، وَقَالَ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الْفُرْقَانِ: 61، 62] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الْمُؤْمِنُونَ: 80] ، وَقَالَ: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزُّمَرِ: 5] ، وَقَالَ تَعَالَى: فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام: 96] ، وقال تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس: 37، 38] .

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلَّيْلِ آيَةً ، أَيْ : عَلَامَةً يُعْرَفُ بِهَا وَهِيَ الظَّلَامُ وَظُهُورُ الْقَمَرِ فِيهِ ، وَلِلنَّهَارِ عَلَامَةً ، وَهِيَ النُّورُ وَظُهُورُ الشَّمْسِ النَّيِّرَةِ فِيهِ ، وَفَاوَتَ بَيْنَ ضِيَاءِ الْقَمَرِ وَبُرْهَانِ الشَّمْسِ ، لِيُعْرَفَ هَذَا مِنْ هَذَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ: لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ [يُونُسَ: 5، 6]، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 189].

قَالَ ابْنُ جُرَيْج ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ : فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً قَالَ : ظُلْمَةَ اللَّيْلِ وسُدفة النَّهَارِ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ : الشَّمْسُ آيَةُ النَّهَارِ ، وَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ قَالَ : السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ ، وَكَذَلِكَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْقَمَرُ يُضِيءُ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ ، وَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ ، وَالشَّمْسُ آيَةُ النَّهَارِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ السَّوَادَ الَّذِي فِي الْقَمَرِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ جَيِّدَةٍ : أَنَّ ابْنَ الكَوَّاء سأل أمير المؤمنين علي ابن أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا هَذِهِ اللَّطْخَةُ الَّتِي فِي الْقَمَرِ؟ فَقَالَ : وَيْحَكَ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ فَهَذِهِ مَحْوُهُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ مَحْوَ آيَةِ اللَّيْلِ سَوَادُ الْقَمَرِ الَّذِي فِيهِ ، وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ، أَيْ: مُنِيرَةً ، خَلْقُ الشَّمْسِ أَنْوَرُ مِنَ الْقَمَرِ وَأَعْظَمُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ قَالَ: لَيْلًا وَنَهَارًا ، كَذَلِكَ خَلَقَهُمَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ " انتهى .

وقال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (3/57) : "وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) فيه وجهان من التفسير للعلماء:

أحدهما: أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير: وجعلنا نيري الليل والنهار، أي الشمس والقمر آيتين.

وعلى هذا القول : فآية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس، والمحو: الطمس.

وعلى هذا القول: فمحو آية الليل ، قيل : معناه السواد الذي في القمر، وبهذا قال علي رضي الله عنه، ومجاهد، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقيل: معنى ( فمحونا آية الليل ) ، أي لم نجعل في القمر شعاعًا كشعاع الشمس تُرى به الأشياء رؤية بينة، فنقص نور القمر عن نور الشمس هو معنى الطمس، على هذا القول.

وهذا أظهر عندي لمقابلته تعالى له بقوله: ( وجعلنا آية النهار مبصرة )، والقول بأن معنى محو آية الليل: السواد الذي في القمر ليس بظاهر عندي ، وإن قال به بعض الصحابة الكرام، وبعض أجلاء أهل العلم "انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب