الحمد لله.
لله تعالى الأسماء الحسنى، كما قال: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الأعراف/180
وأسماؤه لا تحصر بعدد؛ لما روى أحمد (3712) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا.
والحديث صححه ابن حبان والحاكم، وحسنه ابن حجر كما نقله ابن علان في الفتوحات الربانية (4/ 13)، وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (199)، وأحمد شاكر في تحقيق المسند، وضعفه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. وينظر للفائدة: حاشية المسند، ط الرسالة (6/147-150).
وهذا الحديث أفاد أن أسماء الله تعالى أنواع:
ما علمه بعض خلقه من ملائكة أو غيرهم، وما أنزله في كتابه، وما استأثر به في علم الغيب عنده.
وهذا ما بينه ابن القيم رحمه الله في الكلام المسئول عنه.
قال ابن القيم رحمه الله: “الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تُحد بعدد؛ فإن لله تعالى أسماءً وصفاتٍ استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما في الحديث الصحيح: ( أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ).
فجعل أسماءه ثلاثة أقسام:
قسم سمى به نفسه، فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم يُنزِل به كتابه.
وقسم أنزل به كتابه، فتعرّف به إلى عباده.
وقسم استأثر به في علم غيبه، فلم يُطْلع عليه أحدا من خلقه. ولهذا قال: (استأثرت به) أي انفردت بعلمه. وليس المراد انفراده بالتسمي به؛ لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل الله بها كتابه. ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: (فيفتح عليَّ من محامده بما لا أحسنه الآن). رواه البخاري ومسلم، وتلك المحامد هي بأسمائه وصفاته ومنه قوله: (لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما” انتهى من “بدائع الفوائد” (1/ 293) طبعة عطاءات العلم.
والذي نزل به كتابه، كاسمه الحي والقيوم والسميع والبصير، وهذه الأسماء منها ما ينفرد بالتسمي به، كالله والرب والرحمن والجبار والمنتقم، ومنها ما يسمى به المخلوق أيضا كعلي وحكيم وسميع وعليم.
وينظر: جواب السؤال رقم: (114309).
والذي يفتح الله به على عبده ونبيه صلى الله عليه وسلم وسلم يوم القيامة: لا يظهر أنه يتعين أن يكون من النوع الثالث الذي استأثر الله بعلمه؛ بل قد يكون اسما من النوع الأول أو الثاني، ويلهم الله نبيه من الثناء به على الله، والتوسل إليه، والدخول به عليه، ما لم يفتح عليه ولا على غيره من الخلائق قبله بمثل هذا الثناء.
وقد يكون من النوع الثالث الذي استأثر الله به، فيلهم الله نبيه أن يَحمده به، وفي رواية مسلم (194) : وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِه، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْه، شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي.
ولأحمد (13590): فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ بَعْدِي.
والله أعلم.
تعليق