الحمد لله.
أولًا:
الحث على تدبر القرآن
تدبر القرآن الكريم من الأعمال العظيمة التي حث الله سبحانه وتعالى عليها، قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)النساء/82، وقال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤) محمد/24، وقال: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩) ص/29.
وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله، وتدبره بقلبه وجد فيه من الفهم والحلاوة والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره" انتهى من"اقتضاء الصراط المستقيم " (2/270).
ثانيًا:
أهمية التدبر
جاء في كتاب "الدليل إلى القرآن"، تحت عنوان: لماذا أتدبر القرآن، وما الطريق إليه؟
" إنَّ الله يقول جوابًا عن مثل هذا السؤال، ببيان عام للناس جميعًا، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يونس/57.
إنَّنا نريد من القرآن الحياة!
فلا حياة للقلب، ولا سلامة له بغير الإقبال على هذا الكتاب المجيد، إنَّ للمسلم أوصافًا يستمدها بحسب تعلقه بالقرآن، فله من المجد، والحفظ، والرحمة، والهدى، والذكر، بحسب تعلقه بالقرآن تلاوة وفهمًا وعملًا، وقد وعد ربنا اﻷكرم من أقبل على كتابه تعرضًا لنفحاته بالكرم الجزيل، واﻷجر العميم.
ففي القرآن الشفاء من اﻷدواء القلبية المهلكة في العاجل واﻵجل، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا الإسراء/82، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ق/37.
وفي التعلق بالقرآن يجد الإنسان البصيرة التي هي النور الذي يبصر به مواضع قدمه، ومن يضلل الله فما له من هاد، إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا النساء/105.
وفي القرآن يحصل القارئ السكينة التي تنزل على القلب بردًا وسلامًا، لتطفئ النار التي تشتعل، ﻷنه يرى في القرآن مصارع الظالمين، وإن طال الزمان، ومهلكهم الذي جعل الله له موعدًا.
إنَّه لا يحدثك عن القرآن وما يفعله في النفوس، مثل القرآن، قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ النحل/102.
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الرعد/19.
أما التدبر، فهو تجربة تخوضها، ونعيم تتذوقه، ومهما أخبرت عنه، فلا بد أن تحياه بنفسك، إنه يبدأ من معرفة مراد الله تعالى بكلامه، بفهم الكلام أولا، وبتثوير هذه المعاني.
إنَّ القرآن كالتمرة كلما زدتها مضغا أعطتك حلاوة، والقرآن يحلو كلما كررته، ولذا ينبغي عليك أن تزيد تكراره، فإنَّ عجائبه لا تنقضي، ولا يخلق على كثرة الرد.
ليس للتدبر دروب وعرة، ولا مسالك موحشة، ﻷن الله يسر القرآن للناس يأخذ كل منهم بمقدار استعداده، لكن أحدًا لا يجالس القرآن إلا خرج منه بشيء، ولا تزال تخرج بالشيء تلو الشيء حتى تقف على ما يدهش اﻷلباب، ويأخذ بالنفوس.
افهم المعنى، وكرر اﻵية، ولا تستعجل، بل ازدد في الفهم، وابحث بصدق عن دواء دائك، وشفاء نفسك فإنك لاقيه.
وآفة كثير من الناس انشغالهم بالحديث حول التدبر عن التدبر نفسه، فانشغلوا بالوسيلة عن الغاية، وببنيات الطريق عن واضحاته.
أقبل على القرآن متأملًا، وباحثًا عن مرادك، وتلمسه تجده.
إنَّ في القرآن الكفاية، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ العنكبوت/51، اللهم اكفنا بالقرآن، ولا تسلبنا نعمته، واجعل لنا حظا منه!
خطوات عملية لتدبر القرآن
ولمن يحب الخطوات العملية:
1- لا بد من تهيئة نفسك لتدبر القرآن، وذلك بمحبة القرآن، وتعظيمه، واستشعار الافتقار لهداياته.
2- كن مع القرآن دائمًا، تلاوة، واستماعًا، وبحثًا عن الأسئلة التي تدور في ذهنك فيه.
3- افهم المعنى من كتب التفسير، فشرط التدبر فهم المعنى.
4- استعن بالكتب التي تعينك على إدراك بعض اللطائف الموجودة في الآيات.
5- لا تمل من إعادة وتكرار التلاوة مرة بعد أخرى.
ويمكن للمتدبر أن يحدد موضوعًا، ويفتش عنه في القرآن، أو يبحث عن هداية القرآن في مسألة، أو قضية، وسيجد خيرًا عظيمًا"، انتهى من "الدليل إلى القرآن" (122).
ثالثًا:
سورة مقترحة لتطبيق قواعد التدبر
أما السورة التي نرشحها لك، فيمكنك أن تبدأ بسورة الفاتحة، ويمكنك الاستعانة بكتاب: "سورة الصلاة"، للشيخ "عبدالحكيم القاسم"، أو: "التفسير المحرر" للدرر السنية.
وبعد سورة الفاتحة، عليك بسور "الإخلاص، والمعوذتين"، ثم سورة العصر، ثم سور "المفصل"، وهو: من سور (ق) وحتى آخر القرآن.
وفي السور الأطول قليلا ننصحك أن تعيش مع سورة الرعد، فتتأمل قوارعها، ومواعظها، وتتفهم معانيها.
فتأمل هذه السور، وعش معها، واحفظها.
وسل الله تعالى من فضله، وأن يجعل القرآن ربيع قلبك، وطهارة نفسك، واعلم أنك بتعلقك بكتاب الله تعالى آخذٌ في الاهتداء بنوره، وكلما زدت اقترابًا منه زاد فهمك له، وكلما فهمته وقمت به وعملته به ازددت إيمانًا وقربًا من الله.
والله أعلم
تعليق