الحمد لله.
أولًا:
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧١) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢))الإسراء/70-72.
اختلف العلماء في تأويل قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢))الإسراء/72، على أقوال:
الأول: أن العمى: هو العمى عن شكر نعم الله في الدنيا، ومن كان هذا حاله، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا.
الثاني: أن العمى هو العمى عن قدرة الله تعالى، وآياته في هذه النعم التي أنعم بها على الإنسان.
واختار الإمام "الطبري" أن أولى الأقوال في معنى الآية: "قول من قال: معنى ذلك: ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن حجج الله، على أنه المنفرد بخلقها وتدبيرها، وتصريف ما فيها، فهو في أمر الآخرة التي لم يرها ولم يعاينها، وفيما هو كائن فيها: أعمى وأضل سبيلا؛ يقول: وأضل طريقا منه في أمر الدنيا التي قد عاينها ورآها".
وقال "مكي": "أي: في الدنيا؛ يريد: عمى العين عن الهدى، فهو في الآخرة أعمى منه في الدنيا، يريد: أنه يكون في الآخرة أعمى العين والقلب".
"تفسير الطبري" (15/11)، "تفسير الثعلبي" (16/402)، "الهداية الى بلوغ النهاية" (6/4252).
ثانيًا:
قال ابن القيم : "فإنَّ العبدَ يموتُ على ما عاش عليه، ويُبْعَثُ على ما مات عليه؛ قال الله تعالى في الآية الأخرى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)طه: 124 - 126].
وقال في الآية الأخرى: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا [الإسراء: 72]، فأخبر أنَّ من كان في هذه الدَّار ضالًّا فهو في الآخرة أضلُّ"، انتهى من"مفتاح دار السعادة" (1/94).
وقال: "ومنها: قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)) الإسراء/72 فأخبر سبحانه أنَّ ضلالهم وعماهم عن الهدى دائم لا يزول، حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل، وإذا كان العمى والضلال لا يفارقهم، فإن موجبه وأثره ومقتضاه لا يفارقهم"، انتهى من"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (2/758).
وهذه الآية عامَّة في كل من عمي عن الحق وآيات الله سبحانه، ولا تختص بشخص، بل هي في كل من اتصف بهذه الصفة، أعاذنا الله منها.
والله أعلم.
تعليق