الحمد لله.
أولا:
إذا تنازلت الجدة عن حقها في الإرث، أو تبرعت بنصيبها في المشروع، لم يجز لها الرجوع في ذلك؛ لتحريم الرجوع في الهبة، سواء وثق التنازل أو الهبة رسميا أم لا؛ لما روى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 437): "ولا يصح رجوع واهب في هبته بعد قبض، ولو نقوطا أو حمولة في نحو عرس، كما في الإقناع، للزومها به، ويحرم) الرجوع بعده؛ لحديث ابن عباس مرفوعا العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه متفق عليه وسواء عوض عنها أو لم يعوض، لأن الهبة المطلقة لا تقتضي ثوابا" انتهى.
ثانيا:
إذا كانت الجدة لم تصرح بهبة نصيبها من المشروع، ولكن كانت إذا جاءها الربح أعطته لأحفادها، فلها أن لا تعطيهم؛ لأنها لم تهب نصيبها، وإنما كانت تهب المال الذي يأتي، ولا يلزمها الاستمرار في ذلك.
ثالثا:
للجدة أن تطالب بنصيبها من المبلغ المالي الكبير الذي أخفي عنها؛ لأنها قالت: إنها لا تريد شيئا، أي من التركة التي تعلمها، بخلاف ما تجهله أو أخفوه عنها، وإخفاء ذلك ظلم وعدوان، والإبراء أو التنازل عن المجهول وإن صححه بعض الفقهاء، فإنهم يستثنون المجهول الذي يمكن العلم به، فلا يصح الصلح عنه.
قال ابن قدامة رحمه الله : " ويصح الصلح عن المجهول، سواء كان عينا أو دينا، إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته ...
فأما ما يمكنهما معرفته، كتركة موجودة، أو يعلمه الذي هو عليه، ويجهله صاحبه: فلا يصح الصلح عليه مع الجهل.
قال أحمد : إن صولحت امرأة من ثُمُنها، لم يصح، واحتج بقول شريح: أيما امرأة صولحت من ثمنها، لم يتبين لها ما ترك زوجها: فهي الرِّيبة كلُّها .
قال : وإن ورث قوم مالا ودورا وغير ذلك , فقالوا لبعضهم : نخرجك من الميراث بألف درهم: أكره ذلك، ولا يُشترى منها شيء، وهي لا تعلم؛ لعلها تظن أنه قليل، وهو يعلم أنه كثير. ولا يُشترى حتى تعرفه، وتعلم ما هو .
وإنما يصالح الرجلُ الرجلَ على الشيء لا يعرفه، ولا يدري ما هو حساب بينهما، فيصالحه، أو يكون رجل يعلم ماله على رجل، والآخر لا يعلمه فيصالحه، فأما إذا علم فلِمَ يصالحه ؟! إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به . وذلك لأن الصلح إنما جاز مع الجهالة، للحاجة إليه لإبراء الذمم، وإزالة الخصام، فمع إمكان العلم، لا حاجة إلى الصلح مع الجهالة، فلم يصح ، كالبيع " انتهى من "المغني" (4/317).
ومن جوز الصلح عن مجهول يمكن العلم به، استثنى أيضا صورة الخداع والتغرير.
قال في "كشاف القناع" (4/ 304): "ويصح الإبراء من المجهول (ولو لم يتعذر علمه)؛ لأنه إسقاط حق، فينفذ مع العلم والجهل، كالعتق والطلاق... أي: الدين.
(لكن لو جهله ربه) أي: الدين، (وعلمه من عليه الحق، وكتمه) المدين عن رب الدين، (خوفا من أنه) أي: رب الدين (لو علمه) أي: الدين (لم يبرئه) أي: رب الدين منه (لم تصح البراءة)؛ لأن فيه تغريرا للمبرئ، وقد أمكن التحرز منه" انتهى.
والحاصل:
أن للجدة المطالبة بحقها في المال الذي أخفوه عنها، ومن حقها أيضا الرجوع في هبتها لحق لم تكن تعرف قدره، وغروها عنه، أو بينوا لها قيمة قليلة له، فبانت كبيرة ذات خطر.
والله أعلم.
تعليق