الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

عُقد نكاحها في وقت كانت تمر فيه بشبهات وشكوك في ذات الله، فماذا تفعل؟

398541

تاريخ النشر : 15-04-2023

المشاهدات : 2889

السؤال

أنا قبل فترة لاحظت أنني لا أستطيع الدعاء، والصلاة ليس فيها روح، ولدي وحشة في القلب، ولا أستطيع أن أذكر الله تعالى، ولا أستطيع أن أعظم الله تعالى، وإنما أتعامل معه كأنه من البشر، وأشعر إنني لا أتواصل مع الله سبحانه نهائيا، وأهلي نفروا مني، وبقيت على هذا فترة طويلة، وبعد ذلك استوعبت أنني يجب علي أن أنطق الشهادتين، وأجدد إسلامي؛ لأنني أظن أنني استسلمت للشبهات، والشهوات، والوساوس الإلحادية، وخصوصا إنني قرأت فتواكم عن شخص كان يشك في الله سبحانه، وجدد إسلامه، ويسأل عن تجديد نكاحه، بعدما جددت إسلامي كأن الروح دبت في عباداتي، وبدأت أعظم الله تعالى، وبدأ النفور ممن حولي يقل، المشكلة إنه تم عقد زواجي دون دخول قبل أن أجدد إسلامي، فما الواجب علي الآن؟

ملخص الجواب

إن كنت كارهة للشكوك، فلا شيء عليك، وعقد نكاحك صحيح. ولا يضرك عدم شعورك بالعبادة، أو نفورك أو نفور الناس منك، وإن كنت قد استرسلت مع الشكوك دون كراهة ومدافعة، فالواجب أن تجددي الإسلام، وأن تجددي عقد النكاح.

الجواب

الحمد لله.

الشك الذي يعتري المؤمن على نوعين:

الأول: أن يكون وسوسة عارضة يكرهها ويدفعها، فهذا لا إثم فيه، بل يؤجر على مدافعته، كما روى مسلم (132) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ.

قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟)

 قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ).

وروى مسلم (133) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: " سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوَسْوَسَةِ قَالَ: (تِلْكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ).

أي كراهتها واستعظام النطق بها.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/154): " أَمَّا مَعَانِي الْأَحَادِيث وَفِقْههَا فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَلِكَ صَرِيح الْإِيمَان , وَمَحْض الْإِيمَان). مَعْنَاهُ: اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ: هُوَ صَرِيح الْإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا، وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده: إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا، وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك" انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره، كما قالت الصحابة : يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به ؟ فقال : ( ذاك صريح الإيمان ). وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به ؟ قال : ( الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة )؛ أي: حصول هذا الوسواس، مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب: هو من صريح الإيمان؛ كالمجاهد الذي جاءه العدو، فدافعه حتى غلبه؛ فهذا أعظم الجهاد. و" الصريح ": الخالص، كاللبن الصريح. وإنما صار صريحا، لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها، فخلص الإيمان، فصار صريحا.

ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس؛ فمن الناس من يجيبها، فيصير كافرا أو منافقا.

ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب، فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنا، وإما أن يصير منافقا؛ ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرض لهم إذا لم يصلوا، لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه والتقرب إليه والاتصال به ؛ فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم، ويعرض لخاصة أهل العلم والدين أكثر مما يعرض للعامة.

ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم، لأنه لم يسلك شرع الله ومنهاجه؛ بل هو مقبل على هواه، في غفلة عن ذكر ربه . وهذا مطلوب الشيطان. بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة إنه عدوهم يطلب صدهم عن الله " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/283).

النوع الثاني: أن لا يدفع الشك ولا يكرهه، بل يسترسل معه، رغبة منه بأن يصل إلى النتيجة، مفترضاً أنه ربما يكون على غير الحق، فهذا مناف للتصديق الجازم، وهو كفر وردة عن الإسلام.

 قال النووي رحمه الله في "الأذكار" ص345: "فأما الخواطر، وحديث النفس، إذا لم يستقرَّ ويستمرّ عليه صاحبُه: فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه.

وهذا هو المراد بما ثبتَ في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ) .

قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقرّ.

قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطِرُ غِيبة أو كفراً أو غيرَه، فمن خطرَ له الكفرُ مجرّد خَطَرٍ، من غير تعمّدٍ لتحصيله، ثم صَرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شيء عليه.

وقد قدّمنا في " باب الوسوسة " في الحديث الصحيح أنهم قالوا: " يا رسولَ الله يجدُ أحدُنا ما يتعاظمُ أن يتكلَّمَ به، قال: ذلك صريحُ الإيمان "، وغير ذلك مما ذكرناه هناك وما هو في معناه.

وسببُ العفو ما ذكرناه من تعذّرٍ اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما" انتهى.

وقال الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين رحمه الله في "تسهيل العقيدة الإسلامية" ص215: "كفر الشك والظن: وهو أن يتردد المسلم في إيمانه بشيء من أصول الدين المجمع عليها، أو لا يجزم في تصديقه بخبر، أو حكم ثابت معلوم من الدين بالضرورة.

فمن تردد، أو لم يجزم في إيمانه وتصديقه بأركان الإيمان، أو غيرها من أصول الدين المعلومة من الدين بالضرورة، والثابتة بالنصوص المتواترة، أو تردد في التصديق بحكم، أو خبر ثابت بنصوص متواترة مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فقد وقع في الكفر المخرج من الملة بإجماع أهل العلم، لأن الإيمان لابد فيه من التصديق القلبي الجازم الذي لا يعتريه شك ولا تردد، فمن تردد في إيمانه فليس بمسلم.

وقد أخبرنا الله تعالى في قصة صاحب الجنة أنه كفر بمجرد شكه في أن جنته ـ أي بستانه لن يبيد: أي لن يخرب ـ أبداً، وشكه في قيام الساعة، حين قال: (مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً) ـ يريد جنته، وحين قال: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) ـ فقال له صاحبه المؤمن: (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) الكهف: 35- 38.

ومن أمثلة هذا النوع: أن يشك في صحة القرآن، أو يشك في ثبوت عذاب القبر، أو يتردد في أن جبريل ـ عليه السلام ـ من ملائكة الله تعالى، أو يشك في تحريم الخمر، أو يشك في وجوب الزكاة، أو يشك في كفر اليهود أو النصارى" انتهى.

فإن كنت كارهة للشكوك، فلا شيء عليك، وعقد نكاحك صحيح. ولا يضرك عدم شعورك بالعبادة، أو نفورك أو نفور الناس منك.

وإن كنت قد استرسلت مع الشكوك دون كراهة ومدافعة، فالواجب أن تجددي الإسلام- كما فعلت- وأن تجددي عقد النكاح.

وتحتاجين لتجديد عقد النكاح مصارحة وليك بأنك تريدين تجديده لأجل تهاونك في الصلاة أو لأجل شكوكك، وتجديد العقد لا يحتاج إلى مأذون، وإنما يقول وليك لزوجك: زوجتك فلانة، ويقول هو: قبلت، وذلك في وجود شاهدين عدلين.

ويمكنه أن يستعمل التورية مع زوجك، كأن يتذرع بعدم عدالة الشاهد أو تهاونه في الصلاة، ونحو ذلك.

وإذا كنت أتيت بعمرة لم تكمليها، أو أتيت بها حال الحيض، فذلك مخرج سهل مما وقع؛ لأن المحرمة لا يصح العقد عليها ويلزمها تجديد النكاح.

ونسأل الله أن يجعل لك فرجا ومخرجا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب