الحمد لله.
أولًا:
الفاصلة القرآنية، هي: "كلمة آخر الآية، "وتقع الفاصلة عند الاستراحة في الخطاب لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام، وتسمى فواصل، لأنه ينفصل عندها الكلامان؛ وذلك أن آخر الآية قد فَصل بينها وبين ما بعدها، ولم يسموها أسجاعًا"، انتهى.
انظر: "البرهان في علوم القرآن" (1/ 53 - 54).
"وقد وقع خلاف بين العلماء في صحة وجود السجع في القرآن، والخلاف لفظي، ومآله إلى الاتفاق؛ فالسجع الباطل الذي نهي عنه، وهو سجع الكهان: لا يوجد في كلام الله، وهو يخالف السجع الصحيح الوارد في كلام الله، وفي كلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وفي كلام بلغاء العرب"، انتهى.
انظر: "شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي" (ص273).
ثانيًا:
وقد عد العلماء فوائد الفواصل القرآنية، ومن ذلك قول الإمام "القرطبي": "الفواصل حلية وزينة للكلام المنظوم، ولولاها لم يتبين المنظوم من المنثور.
ولا خفاء أن الكلام المنظوم أحسن، فثبت بذلك أن الفواصل من محاسن المنظوم، فمن أظهر فواصله بالوقوف عليها فقد أبدى محاسنه، وترك الوقوف يخفي تلك المحاسن، ويشبه المنثور بالمنظوم، وذلك إخلال بحق المقروء"، انتهى.
"تفسير القرطبي" (20/ 207).
ويقول "الطاهر ابن عاشور" في بلاغة الفواصل القرآنية: "واعلم أن هذه الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز؛ لأنها ترجع إلى محسنات الكلام، وهي من جانب فصاحة الكلام، فمن الغرض البلاغي الوقوف عند الفواصل، لتقع في الأسماع، فتتأثر نفوس السامعين بمحاسن ذلك التماثل، كما تتأثر بالقوافي في الشعر وبالأسجاع في الكلام المسجوع.
ألا ترى أن من الإضاعة لدقائق الشعر أن يلقيه ملقيه على مسامع الناس دون وقف عند قوافيه، فإن ذلك إضاعة لجهود الشعراء، وتغطية على محاسن الشعر، وإلحاق للشعر بالنثر.
وإن إلقاء السجع دون وقوف عند أسجاعه هو كذلك لا محالة، ومن السذاجة أن ينصرف ملقي الكلام عن محافظة هذه الدقائق، فيكون مضيعًا لأمر نفيس أجهد فيه قائله نفسه وعنايته.والعلة بأنه يريد أن يبين للسامعين معاني الكلام: فضول؛ فإن البيان وظيفة ملقي درس لا وظيفة منشد الشعر، ولو كان هو الشاعر نفسه"، انتهى.
"التحرير والتنوير" (1/ 76).
وقد نقل "السيوطي" في "الإتقان" عن بعض العلماء قوله: "قال: فإن قيل: إذا كان عندكم أن السجع محمود، فهلا ورد القرآن كله مسجوعًا: وما الوجه في ورود بعضه مسجوعًا وبعضه غير مسجوع؟
قلنا: إن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى عرفهم وعادتهم، وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعًا، لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه لا سيما مع طول الكلام، فلم يرد كله مسجوعًا جريًا منه على عرفهم في اللطافة الغالبة، أو الطبقة العالية من كلامهم، ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة"، انتهى.
"الإتقان في علوم القرآن" (3/ 337 - 338).
والله أعلم.
تعليق