الحمد لله.
هذه العبارة، لا يظهر فيها ما ينهى عنه، فلا حرج فيها؛ لأن المقصود بالنسب هنا معناها اللغوي العام؛ أي: العلاقة والصلة.
قال ابن فارس رحمه الله تعالى:
" (نسب) النون والسين والباء كلمة واحدة قياسها: اتصال شيء بشيء. منه النسب، سمي لاتصاله وللاتصال به " انتهى. "مقاييس اللغة" (5 / 423).
فالقول بأن نسب الله تعالى هو النافع الذي ينبغي الالتزام والتمسك به؛ أي أن الصلة بالله تعالى هي الأمر النافع، أو الانتساب إليه، بوصف العبوية له، والإيمان به.
وهذه الصلة إنما تكون بالتقوى والعمل الصالح، أما الصلات الأسرية والعائلية والقبلية والقومية، فهي ليست بذات نفع إذا خلا صاحبها من التقوى.
كما قال الله تعالى:
يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات/13.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟
قَالَ: أَتْقَاهُمْ ) رواه البخاري (3353) ومسلم (2378).
وروى الإمام أحمد في "المسند" (38 / 474)؛ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ" .
وصحح إسناده محققو المسند.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير من سمع خطبته صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يسمّ، وذلك مما لا يضر، لأنه صحابي، والصحابة كلهم عدول كما هو مقرر في علم "مصطلح الحديث ".
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاقتضاء" (ص 69): إسناده صحيح. " انتهى. "السلسلة الصحيحة" (6 / 450).
والمتواصلون على أساس تقوى الله تعالى، تستمر صلتهم يوم القيامة، أما غيرهم فتنقطع.
قال الله تعالى:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ الزخرف/67.
ويحتمل أن أصحاب هذه المقولة أخذوا هذا التعبير من خبر ورد مرفوعا وموقوفا على أبي هريرة رضي الله عنه، لكن ضعّف أهل العلم إسناده.
فروى الطبراني في "المعجم الصغير" (642)، والحارث ابن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" (856): عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللَّهُ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إِنِّي جَعَلْتُ نَسَبًا، وَجَعَلْتُمْ نَسَبًا، فَجَعَلْتُ أَكْرَمَكُمْ أَتْقَاكُمْ، فَأَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَقُولُوا: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ خَيْرٌ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْفَعُ نَسَبِي، وَأَضَعُ نَسَبَكُمْ: أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟ .
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه طلحة بن عمرو وهو متروك " انتهى. "مجمع الزوائد" (8 / 84).
ورواه الحاكم في "المستدرك" (2 / 463 – 464): عن مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيّ، بِالْمَدِينَةَ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ جَدِّهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَمَرْتُكُمْ فَضَيَّعْتُمْ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكُمْ فِيهِ وَرَفَعْتُ أَنْسَابُكُمْ، فَالْيَوْمَ أَرْفَعُ نَسَبِي وَأَضَعُ أَنْسَابَكُمْ، أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ثم قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ عَالٍ غَرِيبُ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ".
وتعقبه الذهبي بقوله: " المخزومي ابن زبالة ساقط " انتهى.
وللفائدة تحسن مطالعة ما جاء على الرابط الآتي:
https://sh-albarrak.com/article/10662
وإذا خاف المتكلم أن يشتبه الكلام على السامع فالأفضل التعبير بعبارة: "نسب التقوى"، أو "أُخوَّة الإيمان"، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ رواه الترمذي (2518) وصححه.
والله أعلم.
تعليق