الحمد لله.
أنواع الخطاب القرآني
الخطاب في القرآن الكريم يأتي على أنواع:
- فمنه ما هو خطاب لجميع الأمة، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ البقرة/153.
- ومنه ما هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمخاطب به أمته، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) الأحزاب/1، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التحريم/1.
- ومنه ما هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو خاص به، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا الأحزاب/50، وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا الأحزاب/45.
انظر: "معالم السنن" (2/7)، "بدائع الفوائد"(4/ 1602).
وانظر أجوبة الأسئلة التالية: (181195)، (336563)، (201417).
الخطاب في قوله تعالى: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا...)
قوله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ الطور/48، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا درج العلماء في تفسير هذه الآية.
قال "الطبري": "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم واصبر لحكم ربك [الطور: 48] يا محمد الذي حكم به عليك، وامض لأمره ونهيه، وبلغ رسالاته فإنك بأعيننا [الطور: 48] يقول جل ثناؤه: فإنك بمرأى منا نراك ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين"، انتهى من"تفسير الطبري" (21/605).
وقال "ابن تيمية": "وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ [الطور: 48 - 49]، وقال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القلم: 48 - 50]، وقال: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].
فأمره أن يصبر الصبرَ الاختياري كما صبر أولو العزم، فيصبر لحكمِ ربه: الحكمِ الأمري، بامتثال أمر ربه في تبليغ الرسالة ودعوة الخلق وبيانِ ما بُعِث به، والحكمِ المقدَّرِ، بأن يصبر على تكذيب المكذّبين وافترائهم عليه وعداوتهم له" انتهى من "جامع المسائل" (8/230).
وقال "ابن عاشور": " ... وكان مفتتح السورة خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم ابتداء من قوله تعالى: (إن عذاب ربك لواقع) [الطور: 7] المسوق مساق التسلية له، وكان في معظم ما في السورة من الأخبار ما يخالطه في نفسه صلى الله عليه وسلم من الكدر، والأسف على ضلال قومه، وبعدهم عما جاءهم به من الهدى؛ ختمت السورة بأمره بالصبر تسلية له، وبأمره بالتسبيح وحمد الله شكرا له على تفضيله بالرسالة"، انتهى من "التحرير والتنوير" (27/83).
على المؤمن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك، فإن المؤمن ينبغي أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبر، وإن فعل: فله من الأجر والمعونة بقدر صبره.
قال "ابن القيم": "وأمر رسوله بالصبر لحكمه، وأخبر أن صبره إنما هو به، وبذلك جميع المصائب تهون، فقال: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)الطور/48، وقال: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128))النحل/127 - 128" انتهى من"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" (1/8).
وقال "ابن القيم": "وقوله: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور: 48]، وهذا يتضمن الحراسة والكلاءة والحفظ للصابر لحكمه" انتهى من "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" (1/214).
والله أعلم.
تعليق