الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز الأخذ من مال الوالدين إذا امتنعوا من النفقة على أولادهم؟

417163

تاريخ النشر : 30-03-2023

المشاهدات : 3320

السؤال

أنا بنت غير متزوجة، وليس لدي وظيفة، وأود أن أبدأ مشروعاً صغيراً، وأكمل دراستي العليا حتى أتمكن من إيجاد وظيفة محترمة، وغير الاحتياجات اليومية تنفق أمي شيئاً ضئيلاً جدا، وتنكر وجود مال لديها، وأبي لا ينفق أساساً، وأمي لا تريد تدريسي بحجة المال، لكن اكتشفت أنّ لديها مبلغاً كبيراً لا أحد يعلم به، فهل يجوز لي أن آخذ بما يرضي الله للإنفاق سرا عليّ، وعلى أخواتي البنات الغير متزوجات؟

ملخص الجواب

يجب على الأم النفقة على أولادها إذا كانت موسرة، والأب معسراً أو ممتنعاً، بقدر ما تتحصل به الضروريات والحاجيات التي جرى بها العرف. فإن حصل التقصير في النفقة الواجبة، من مطعم وملبس ومسكن ودواء: جاز الأخذ من مال الأب ما يغطي تلك الحاجات، وليس من ذلك تحصيل الدراسات العليا، فإن لم يمكن الأخذ من مال الأب، أُخذ من مال الأم .  

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

إذا كان الأب يستطيع أن ينفق على أولاده فالنفقة عليه وحده ، ولا يلزم الأم شيء من النفقة .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"وَمَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ مِنْ أَهْلِ الْإِنْفَاقِ ، لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى سِوَاهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، وَقَالَ : وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ فَجَعَلَ النَّفَقَةَ عَلَى أَبِيهِمْ دُونَهَا" انتهى، (11/378) .

فإن كان الأب معسرًا وجب على الأم -إذا كانت غنية- أن تنفق على أولادها.

قال ابن قدامة رحمه الله " فإن أعسر الأب، وجبت النفقة على الأم، ولم ترجع بها عليه إن أيسر" انتهى من "المغني" (11/373).

ثانياً:

إن كان الأب قادرا على النفقة غير أنه امتنع عنها – فإن الواجب على الأم أن تنفق على الأولاد – وفي هذه الحالة لها أن ترجع عليه بما أنفقت متى أمكنها ذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وإذا كان القريب الموسر ممتنعا فينبغي أن يكون كالمعسر ، ... لكن ينبغي أن يكون الواجب هنا القرض رجاء الاسترجاع" انتهى . "الاختيارات" (ص414) .

ثالثا :

يجب على الوالدين أن ينفقا على البنات حتى يتزوجن .

قال ابن قدامة رحمه الله : " وقال أبو حنيفة: ‌ينفق ‌على ‌الغلام حتى يبلغ، فإذا بلغ صحيحا، انقطعت نفقته، ولا تسقط نفقة الجارية حتى تتزوج. ونحوه قال مالك، إلا أنه قال: ينفق على النساء حتى يتزوجن، ويدخل بهن الأزواج، ثم لا نفقة لهن" انتهى من "المغني" (11/ 378).

وجاء في «الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص493) ما نصه: "أما لزومها- أي النفقة- على ‌الإناث الأحرار فهي مستمرة عليهن "حتى ‌ينكحن ويدخل بهن" أي يطأهن "أزواجهن".

وللاستزادة: ينظر الفتوى رقم: (13464)

رابعا :

يجوز لمن له حق في النفقة أن يأخذ من مال المنفق سراً إذا قصر في الإنفاق عليه في الضروريات أو الحاجيات التي جرى بها العرف، بشرط أن يكون قادرا على الإنفاق، ولكنه يمتنع عن بذلها لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ؟ فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) البخاري (5049).

قال ابن حجر: "والمراد بالمعروف: القدر الذي عُرف بالعادة أنه الكفاية" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (9/509).

وعليه ؛ فيجوز لك أن تأخذي من مال أبيك – أولًا – ما يكفيك ويكفي أخواتك بالمعروف ، فإن تعذر الأخذ من مال الأب ، أو لم يكن له مال أخذت من مال والدتك .

وإنما كانت البداية بالأخذ من مال الأب – إن أمكن – لأن النفقة واجبة عليه وحده إن كان قادرا عليها .

ويكون المقدار المأخوذ من المال بقدر الحاجة فقط ، بلا زيادة .

خامسا :

أما أشرت إليه من حاجتك للدراسات العليا، لتحصلي على وظيفة محترمة، فإن هذه من الكماليات التي لا يجب على أمك بذل النفقة لها أصلا، ولا يحل لك أن تأخذي شيئا من مال أبيك ولا مال أمك لهذا الغرض، دون إذنهم، وموافقتهم.

ودور المرأة المسلمة ليس المنافسة على الوظائف في سوق العمل، وإنما تخرج إليه بقدر حاجتها، فرسالتها تربية جيل مؤمن، وإقامة بيت مسلم يتربى على الفضيلة، هذا هو المقصد في حقها، ويتأكد ترك ذلك، إذا كانت الدراسة مختلطة؛ فليست مضطرة ولا محتاجة إليها .

ثم لا يغيب عنك وعن أخواتك: أن إخفاء أمك لبعض ما عندها من المال غالباً أنه لمصلحتكم خشية أن يتبدد، وتحتاجون للضروريات فلا تجدون.

فأحسنوا الظن بأمكم، واشكروا لها صنيعها بالنفقة عليكم، وادعو لها في ظهر الغيب.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب