الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل الرفيع من أسماء الله تعالى؟

459050

تاريخ النشر : 07-07-2023

المشاهدات : 7689

السؤال

كنت أعتقد أن الرفيع من أسماء الله الحسنى، و الآن قررت التأكد أنه من أسماء الله

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: وَلَا ‌تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا   وقوله: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ‌الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ  ، ولأن تسميته تعالى بما لم يُسَمِّ به نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك، والاقتصار على ما جاء به النص. "انظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، لابن عثيمين» (ص13).

ثانياً:

أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك". الحديث رواه أحمد (3712)، وابن حبان في صحيحه (972) وصححه الألباني في الصحيحة (199).

ثالثاً:

ورد في الصحيح أنّ لله تسعا وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً ‌إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجنة) البخاري (2585).

وهذه الأسماء، أختلف فيها أهل العلم، فقد ورد تحديدها في حديث رواه الترمذي وغيره، فمنهم من ضعفه ومنهم من صححه، والأكثر على تضعيفه.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن... الحديث) وعدّ تسعا وتسعين اسماً، الترمذي (3507).

قال الترمذي رحمه الله - عقب روايته للحديث: "هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح: وهو ثقة عند أهل الحديث وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث. وقد روى آدم بن أبي إياس، هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح" انتهى.

كما ضعَّفه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (4 / 172)، ونقل تضعيفه عن ابنِ حزمٍ والبيهقي وغيرِهما. وضعَّفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (22 / 482).

وقد صححه بعض الأئمة، منهم ابن حبان والحاكم، وحسنه النووي.

قال الشوكاني رحمه الله: " وقد صححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال النووي في الأذكار أنه حديث حسن" انتهى من "تحفة الذاكرين للشوكاني" (ص86).

والقول الراجح: أنّ الحديث الذي رواه الترمذي وغيره في تعيين الأسماء لا يثبت كما بينه كبار الأئمة.

قال الصنعاني رحمه الله:"‌اتفق ‌الحفاظ ‌من ‌أئمة ‌الحديث ‌أن ‌سردها ‌إدراج ‌من ‌بعض ‌الرواة" انتهى من "سبل السلام" (8/ 24).

رابعاً:

اجتهد بعض أهل العلم في استخراج هذه الأسماء من نصوص الكتاب والسنة، فاتفقوا في عدد كبير منها، واختلفوا في بعضها، فمنهم من أثبت أسماء لم يثبتها الآخر بناء على ما أداه إليه اجتهاده في الاستنباط، وهذا لا يشكل كثيراً، فإنه قد سبق بيان أن الأسماء ليست محصورة بتسعين وتسعين، فاستخراج بعضهم للأسماء الحسنى لا يعني استيعابهم لها، فيجتهد الآخر في إثبات مالم يثبته غيره.

وهذا من معاني الإحصاء الوارد في الحديث.

قال ابن بطال: "الإحصاء يقع بالقول ويقع بالعمل ...

 وأما الإحصاء القولي ‌فيحصل ‌بجمعها وحفظها والسؤال بها" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (13/ 378).

وقال ابن حجر: "فقد اعتنى جماعة بتتبعها من القرآن من غير تقييد بعدد، فروينا في كتاب المائتين لأبي عثمان الصابوني بسنده إلى محمد بن يحيى الذهلي أنه استخرج الأسماء من القرآن، وكذا أخرج أبو نعيم عن الطبراني عن احمد بن عمرو الخلال عن بن أبي عمرو حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين سألت أبا جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء الحسنى، فقال: هي في القرآن، وروينا في فوائد تمام من طريق أبي الطاهر بن السرح عن حبان بن نافع عن سفيان بن عيينة الحديث يعني حديث: "إنّ لله تسعة وتسعين اسما" قال: فوعدنا سفيان أن يخرجها لنا من القرآن، فأبطأ، فأتينا أبا زيد، فأخرجها لنا، فعرضناها على سفيان، فنظر فيها أربع مرات وقال نعم هي هذه" انتهى من " فتح الباري" (11/217).

ولا إشكال مادام أن استنباطها من نص صحيح من الكتاب أو السنة، لأنّ هذا معنى كونها توقيفية.

خامساً:

أثبت جمع من الائمة اسم الرفيع بأنه من أسماء الله الحسنى، كما أنه ورد في النص المدرج في حديث الذي فيه تحديد الأسماء، وأقل ما فيه أنه اجتهاد بعض الرواة.

قال ابن العربي رحمه الله: "يحتمل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع، ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة، وهو الأظهر عندي" فتح الباري لابن حجر» (11/ 217).

وقد ذكر ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (11/215-219) قدرا من هذه الاختلاف في استنباط الأسماء الحسنى، وذكر فيها إثبات الرفيع عند بعض أهل العلم، كما ثبت في بعض روايات السنن التي ذكرت الأسماء كما أسلفنا.

وممن أثبت اسم الرفيع، وذكر أنه من الأسماء المذكورة في القرآن ابن حجر العسقلاني في تعقبه على ما فات ابن حزم في عدّ الأسماء التي في القرآن.

قال ابن حجر رحمه الله: "وقد عاودت تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حررتها منه تسعة وتسعين اسما، ولا أعلم من سبقني إلى تحرير ذلك؛ فإن الذي ذكره ابن حزم لم يقتصر فيه على ما في القرآن بل ذكر ما اتفق له العثور عليه منه، وهو سبعة وستون اسما متوالية؛ كما نقلته عنه آخرها: "الملك"، وما بعد ذلك التقطه من الأحاديث.

فمما لم يذكره، وهو في القرآن: "المولى، النصير، الشهيد..........، الرفيع....، فهذه تسعة وتسعون اسما منتزعة من القرآن، منطبقة على قوله عليه الصلاة والسلام: "إن لله تسعة وتسعين اسما" ، موافقة لقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف: 180] فلله الحمد على جزيل عطائه، وجليل نعمائه" انتهى من التلخيص الحبير (4/ 424).

وقال د. محمد خليفة التميمي، وفقه الله: "

(الرَّفيعُ):

دليله: قوله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ (غافر: من الآية15) .

التعليق: لم يرد في القرآن اسمًا بهذه الصِّيغة، وإنَّما جاء مضافا كما في الآية من سورة غافر.

من ذكره: ورد في طريق عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان، وفي جمع ا- جعفر الصَّادق 20- ابنِ حجر 30- نور الحسن خان." انتهى، من " معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله" (177).

وقال القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي، رحمه الله:

" الصحيح أن يقال: إن قولنا: (علي)، وقولنا: (رفيع)، كلمتان يشترك فيهما عند الإطلاق الخالق والمخلوق، فورد إطلاقها على الخالق مختلفاً فاتبعنا المورد، فجاء قوله: (علي) مطلقاً غير مضاف، وجاء قوله: (رفيع) مضافاً إلى الدرجات، فأطلقنا من الأسماء ما أطلق، وقيدنا ما قيد، فإنه تعالى أعلم بوجه الحسن فيهما، والأمر المحيط بوجه تصرفهما ومعانيهما." انتهى، من "الأمد الأقصى" (1/440).

والحاصل:

أنه لم يرد "إطلاق" اسم "الرفيع" هكذا على الله جل جلاله، في شيء من النصوص، إلا في عد الأسماء المذكور في الحديث المشهور، على ما فيه من مقال معروف لأهل العلم.

وإنما ورد ذلك مقيدا بـ" رفيع الدرجات" ؛ ولذلك لم يذكره أكثر أهل العلم في إحصائهم للأسماء الحسنى.

ومن ذكره فيها، تبعا للعد المذكور في الحديث، أو لمن قال به من أهل العلم: فهو من محال الاجتهاد السائغ، إن شاء الله.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب