الحمد لله.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أثناء استدلاله على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، عند الذبيحة:
" ولسنا نعلم مسلما، ولا نخاف عليه أن تكون صلاته عليه صلى الله عليه وسلم إلا الإيمان بالله، ولقد خشيت أن يكون الشيطان أدخل على بعض أهل الجهالة النهي عن ذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة؛ ليمنعهم الصلاة عليه في حال لمعنى يعرض في قلوب أهل الغفلة، وما يصلي عليه أحد إلا إيمانا بالله تعالى وإعظاما له وتقربا إليه صلى الله عليه وسلم، وقربنا بالصلاة عليه منه زلفى " انتهى من "الأم" (2/622).
قال المعلمي رحمه الله تعالى:
" يعني بقوله: " لمعنى يعرض في قلوب أهل الغفلة " إلخ: أن ينوي الذبح لله وللرسول، أو يظن ذِكْر الرسول لازما لزوم ذكر اسم الله أو نحو ذلك... " انتهى من "أحكام الحديث الضعيف- آثار المعلمي" (15/195).
وقول الإمام، رحمه الله: " وما يصلي عليه أحد إلا إيمانا بالله تعالى، وإعظاما له، وتقربا إليه -صلى الله عليه وسلم- وقربنا بالصلاة عليه منه زلفى " : معناه ظاهر، لا إشكال فيه.
ومراده: أن كل من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما يصلي عليه لأجل أمر الله بذلك، ومحبته سبحانه لعباده أن يصلوا على نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا الأحزاب/56.
قال الشيخ السعدي، رحمه الله:
" وهذا فيه تنبيه على كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعة درجته، وعلو منزلته عند الله وعند خلقه، ورفع ذكره. وإِنَّ اللَّهَ تعالى وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عليه، أي: يثني الله عليه بين الملائكة، وفي الملأ الأعلى، لمحبته تعالى له، وتثني عليه الملائكة المقربون، ويدعون له ويتضرعون.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اقتداء بالله وملائكته، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلا لإيمانكم، وتعظيمًا له صلى الله عليه وسلم، ومحبة وإكرامًا، وزيادة في حسناتكم، وتكفيرًا من سيئاتكم وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام، ما علم به أصحابه: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الأوقات، وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة". انتهى من "تفسير السعدي" (671).
فحيث كان الله يحب ذلك، ويأمر به عباده، كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : طاعة لله جل جلاله، وهذا ظاهر، وإعظام له سبحانه، لأنه هو من أرسل نبيه، وأمر بتعزيره، وتوقيره، ومحبته، والصلاة عليه. وقد قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ النساء/80.
وفي الإتيان بالصلاة عليه: تقرب إلى الله جل جلاله، بفعل طاعته، والصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم.
غير أن الذي أشكل العبارة، وأغمضها على السائل، هو كتابة عبارة التصلية بعد قول الإمام "وتقربا إليه" بين علامتي الاعتراض هكذا : " وتقربا إليه -صلى الله عليه وسلم-، ..". وهذا غلط؛ فليس مراد الإمام ذكر الجملة الدعائية المعترضة، أو القول بأن الصلاة تقرب إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ؛ فهذا كله غلط سببه تنسيق العبارة، وطريقة كتابتها، فقط؛ والعبارة ظاهرة لا إشكال فيها؛ لكن بعد أن نفهم أن تقرير الإمام قد انتهى عند قوله " وتقربا إليه . ". ثم أنشأ عبارة جديدة على وجه الاستئناف، دعا فيها بهذا الدعاء : " صلى الله عليه، وقرَّبَنا إليه زُلفى "؛ فدعا ربه أن يصلي على نبيه، وأن يقربنا الله تعالى إليه زلفى، بصلاتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم، فتوسل إلى الله بهذا العمل الصالح، الذي هو الصلاة على نبيه، صلى الله عليه وسلم، بين يدي دعائه الآخر، الذي هو القرب من رب العالمين، والزلفى إليه، سبحانه.
والله أعلم.
تعليق