الحمد لله.
أولا:
يجوز شراء جهاز يستعمل في المباح، بشرط العلم بالجهاز إما بالرؤية وإما بالصفة المزيلة للجهاز، كنوعه، وسنة صناعته، وبلد المنشأ ونحو ذلك.
ويجوز توكيل وإعطاء المال لمن يشتري هذا الجهاز، ثم يؤجره للناس، على أن يكون الدخل بينهما.
ويجب حينئذ الاتفاق على نسبة الربح بين صاحب الجهاز والوسيط، ولا يصح أن يكون لصاحب الجهاز مبلغ محدد يوميا أو شهريا أو سنويا؛ لأن ذلك مفسد للشركة.
فشرط الشركة الصحيحة أن يكون الربح نسبة معلومة مما سيأتي من الدخل، لا نسبة من رأس المال، ولا مبلغا مقطوعا.
وهذه الصورة وهي إعطاء جهاز لمن يعمل عليه ويتربح منه، مع اقتسام الربح، لا يجيزها الجمهور أصلا، ويرونها مضاربة فاسدة، وإجارة فاسدة، وإنما يجيزها الحنابلة إلحاقا بالمضاربة وقياسا على المساقاة والمزارعة.
قال في "الشرح الكبير" (6/20): " فإن قيل: فقد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف مُغَلِّها. قلنا: إنما جاز ثمَّ تشبيهاً بالمضاربة، ولأنها عين تنمى بالعمل فجاز اشتراط جزء من النماء، كالمضاربة والمساقاة" انتهى.
وقال في "شرح المنتهى" (2/ 228): " (ويصح دفع عبد أو) دفع (دابة) أو قربة أو قدر أو آلة حرث أو نورج أو منجل ونحوه (لمن يعمل به بجزء من أجرته. و) يصح (خياطة ثوب ونسج غزل وحصاد زرع ورضاع قن واستيفاء مال ونحوه) كبناء دار وطاحون ونجر باب وطحن نحو بر (بجزء مشاع منه)؛ لأنها عين تنمى بالعمل عليها. فصح العقد عليها ببعض نمائها كالشجر في المساقاة والأرض في المزارعة " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الكويتية" (1/264) : " ومن الفقهاء من لا يجيز أن تكون الأجرة بعض المعمول، أو بعض الناتج من العمل المتعاقد عليه، لما فيه من غرر، لأنه إذا هلك ما يجري فيه العمل ضاع على الأجير أجره، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان , ولأن المستأجر يكون عاجزا عن تسليم الأجرة ، ولا يعد قادرا بقدرة غيره . وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية . ومثاله : سلخ الشاة بجلدها ، وطحن الحنطة ببعض المطحون منها ، لجهالة مقدار الأجر ؛ لأنه لا يستحق جلدها إلا بعد السلخ ، ولا يدري هل يخرج سليما أو مقطعا .
وذهب الحنابلة إلى جواز ذلك إذا كانت الأجرة جزءا شائعا مما عمل فيه الأجير ، تشبيها بالمضاربة والمساقاة ، فيجوز دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها ، والزرع أو النخل إلى من يعمل فيه بسدس ما يخرج منه ، لأنه إذا شاهده علمه بالرؤية وهي أعلى طرق العلم . والمالكية في بعض الصور التي يمكن فيها علم الأجر بالتقدير يتجهون وجهة الحنابلة ، فيقولون : إن قال : احتطبه ولك النصف ، أو : احصده ولك النصف ، فيجوز إن علم ما يحتطبه بعادة ... وقد أورد الزيلعي الحنفي صورة من هذا القبيل ، وهي أن يدفع إلى الحائك غزلا ينسجه بالنصف . وقال : إن مشايخ بلخ جوزوه لحاجة الناس ، لكن قال في الفتاوى الهندية : الصحيح خلافه " انتهى .
وعليه فلا يصح أن يكون لهذا المستثمر مبلغ يومي محدد، ويجب الاتفاق على نسبة من الدخل.
ثانيا:
يجوز أن تستأجر الشركة نفسها الجهاز من صاحبه بملغ محدد يوميا أو شهريا، وتؤجره هي للناس بأكثر وتربح الفرق.
لكن هذه الصورة ليست ظاهرة من السؤال، بل الظاهر أن الشركة ستعمل على الجهاز، أي تكون شريكة، وحينئذ لا يصح أن يكون للعميل مبلغ محدد يوميا.
ثالثا:
عند إنهاء التعاقد، يجب أن يعود الجهاز لصاحبه، وله أن يوكل الوسيط حينئذ في بيعه بسعر السوق.
وأما إن يقال: إن الشركة الوسيط ستأخذ الجهاز وترد إليه 80% من ثمنه فلا يصح؛ لأمرين:
1-أن في ذلك ضمان 80% من رأس المال، وضمان رأس المال يفسد الشركة.
ويجوز هنا: الوعد بشراء الجهاز، لكن بسعره في وقته، كما جاء في قرار مجمع الفقه بشأن الشركة المتناقصة.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: "المشاركة المتناقصة مشروعة إذا التُزم فيها بالأحكام العامة للشركات، وروعيت فيها الضوابط الآتية:
أ - عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة، لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه، بل ينبغي أن يتم تحديد ثمن بيع الحصة بالقيمة السوقية يوم البيع، أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع" انتهى.
وجاء في المعايير الشرعية ص 206: "ولابد أن تكون الشركة غير مشترط فيها البيع والشراء، وإنما يتعهد الشريك بذلك بوعد منفصل عن الشركة، وكذلك يقع البيع والشراء بعقد منفصل عن الشركة، ولا يجوز أن يشترط أحد العقدين في الآخر" انتهى.
2-أن هذا من تعليق البيع على شرط وهو نهاية المدة، أي بيع الجهاز للشركة، والبيع لا يصح فيه ذلك.
وفي "الموسوعة الفقهية" (12/ 316): "لا يجوز في الجملة تعليق البيع على الشرط بالاتفاق، وذلك لأن البيع فيه انتقال للملك من طرف إلى طرف، وانتقال الأملاك إنما يعتمد الرضا، والرضا يعتمد الجزم، ولا جزم مع التعليق" انتهى.
والحاصل أنه لا تجوز هذه المعاملة.
ثم إننا ننبه أنه على فرض تصحيح المعاملة والاتفاق على تقسيم الربح بالنسبة، وأن الجهاز يعود لصاحب المال، فإن هذا يتوقف على وجود جهاز حقيقة! وهذا لا يمكن التحقق منه إلا عند وجود شركة في بلد المستثمر، فيكون الجهاز تحت عينه طول المدة، وأما أن يكون ذلك عن طريق الإنترت، فما أيسر الكذب والخداع، فقد لا تكون شركة ولا جهاز، وإنما مال يؤخذ، تنتفع به الشركة لنفسها ولو في الحرام على أن تعطي عائدا ثابتا، وأن ترده في نهاية الأمر ببخس!
فالحذر الحذر من المعاملات المحرمة، ومن طرق النصب والخداع.
والله أعلم
تعليق