الحمد لله.
أولا:
قد ثبت أن الطيرة من الشرك.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَمَا مِنَّا إِلَّا، وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ رواه أبو داود (3910)، والترمذي (1614)، وابن ماجه (3538).
وقال الترمذي: " وهذا حديث حسن صحيح ...
سمعت محمّد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا الحديث: (وما منّا ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل). قال سليمان: هذا عندي قول عبد الله بن مسعود: وَمَا مِنَّا " انتهى.
فاتباع الشخص للطيرة بحيث ترده عمّا عزم عليه، هو عمل من أعمال الشرك.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (11/623)، وحسّنه محققو المسند".
والطيرة: هي التشاؤم بما لا يُعلم أنه سبب، لا بالشرع ولا بالعقل.
قال البيهقي رحمه الله تعالى:
" وأما التطير بزجر الطائر وإزعاجها عن أوكارها، عند إرادة الخروج للحاجة، حتى إذا مرت على اليمين تفاءل به، ومضى على وجهه، وإن مرت على الشمال تشاءم به وقعد: فهذا من فعل أهل الجاهلية الذين كانوا يوجبون ذلك، ولا يضيفون التدبير إلى الله عز وجل.
فمن فعل [ذلك] من أهل الإسلام، على هذا الوجه: استحق الوعيد دون الثناء " انتهى من "شعب الإيمان" (2/396).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"التطير: هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
بمرئي مثل: لو رأى طيرا فتشاءم لكونه موحشا.
أو مسموع مثل: من هم بأمر، فسمع أحدا يقول لآخر: يا خسران، أو يا خائب؛ فيتشاءم.
أو معلوم؛ كالتشاؤم ببعض الأيام أو بعض الشهور أو بعض السنوات؛ فهذه لا ترى ولا تسمع.
واعلم أن التطير ينافي التوحيد، ووجه منافاته له من وجهين:
الأول: أن المتطير قطع توكله على الله، واعتمد على غير الله.
الثاني: أنه تعلق بأمر لا حقيقة له، بل هو وهم وتخييل؛ فأي رابطة بين هذا الأمر، وبين ما يحصل له، وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد؛ لأن التوحيد عبادة واستعانة، قال تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )، وقال تعالى: ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ).
فالطيرة محرمة، وهي منافية للتوحيد كما سبق " انتهى من "القول المفيد" (1 / 559 – 560).
ثانيا:
ما ذكر في السؤال، من خوف الشخص من أن الطائر قد صوّت لرؤية جني= لا يدخل في باب التشاؤم، فإنه لم يجعل صوت الطائر سببا لجلب خير أو شر، أو علامة عليه؛ بل استوحش من هذا المكان، لما يخشى من أذى الجن فيه، واستدل على وجود الجن الذين لا يراهم، بصوت هذا الطائر. ورؤية الحيوان للجن، من حيث الأصل: أمر ممكن عقلا، ولا يوجد في الشرع ما ينفيه.
بل ورد ما يشهد له من حيث الأصل، بغض النظر عن صحة ذلك في الطائر المعين المذكور.
ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا رواه البخاري (3303)، ومسلم (2729).
كما أن أذى الجن للإنس ممكن شرعا وعقلا، والخوف من ذلك هو خوف طبيعي، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (191525).
لكن يقال لمثل هذا الشخص:
إن المكان إذا لم يكن مخوفا بطبعه، ولم يعلم أن أحدا بعينه أصابه أذى بمروره في هذا المكان؛ فدعك من هذه التوهمات، ومتى احتجت إلى مثل ذلك المرور، فتوكل على الله، والطير لا علم لها بخير ولا شر، ولا أثر لها في شيء من ذلك.
وأما أصواتها، فهي مخلوقة على ذلك، مجبولة عليه؛ ولا يعقل أنه كلما سمع الشخص صوتا لطائر، فزع قلبه، وطار جنانه، وظن ذلك لرؤية الطائر للجن؛ فهذا لا نعلم له أصلا لا بالشرع، ولا بالتجربة، ولا بخبر الثقات من العقلاء؛ إنما ذلك مجرد وسوسة واعتلال في النفس يجب على صاحبه أن يعالجه، ولا يستجيب له.
وطالع للأهمية والفائدة في علاج مثل هذا الخوف جواب السؤال رقم: (222910).
والله أعلم.
تعليق