الخميس 23 ربيع الأوّل 1446 - 26 سبتمبر 2024
العربية

ما هي وسائل تدريب الطفل على تقديم النصيحة والتعامل مع أخطاء الآخرين؟

506415

تاريخ النشر : 17-09-2024

المشاهدات : 354

السؤال

ابني ١٠ سنوات، ـ اللهم بارك ـ إذا تعلم أمرا اجتهد أن يبلغه منذ صغره ٦ سنوات تقريبا، فمثلا ينكر علي من يسمع الأغاني بموسيقي، وهكذا.
سؤالي: ليس كل من حولنا من الأهل والأصحاب والجيران ملتزمون، فأحيانا يكون رد فعلهم قاسي اعلي ابني، فهو لا يملك الطريقة المناسبة، هو فقط يلح عليهم أن أغلقوا الأغاني؛ إنها حرام، ويكرر ذلك ولا يميز في طريقته بين كبير السن والطفل، أو إنه يتكلم أمام الناس أو منفردا، لم يتعلم بعد فقه إنكار المنكر، ولكن عنده الحماس باندفاع، جائني مرة منهارا من البكاء؛ لأن خاله وبخه توبيخا شديدا، و صرخ فيه: لا تسمع أنت الموسيقي\”، ومرة أخري أقنعه أحد زملائه أن الحرام الكلمات، وليس المعازف، فتشكك في حرمة المعازف.
نصيحتي له: اعرف الحلال والحرام، افعل الحلال، وتجنب الحرام، صاحب من يعينك علي ذلك، ولكن لست ذا علم أو قدرة على إنكار المنكر، أخاف عليه؛ لأن البيئة المحيطة رغما عني غير ملتزمة، فأنا أريده أن يثبت أولا، فيكف أوجهه؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

بارك الله لك في ولدك، وحفظه، وجعله من الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، والداعين إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

ثانيًا:

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى الوظائف الإسلامية؛ بل هي أشرفها وأعلاها، وهي وظيفة الأنبياء والرسل عليهم السلام، كما قال سبحانه: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) النساء/165.

وقد جعل الله الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس لقيامها بهذه الوظيفة العظيمة كما قال سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران/110.

ثالثًا:

جميل أن نوجه الابن، وأن ننصحه ولكن الأولى، والذي ينبغي أن نقدمه ونعتني به: هو أن ندربه، ونكرر هذا التدريب في مواقف معينة، سواء أكانت مواقف عابرة في الحياة اليومية، أو مواقف مصطنعة رتبناها لكي نُري الولد ردود أفعالنا حتى يتعلم منا.

التدريب معناه: أن نقوم بتمثيل عملي لهذه المواقف، التي تتكرر فيها هذه السلوكيات، وتخيل الحدث، وتمثيل الأدوار المختلفة فيه، سواء للسلوك، أو رد الفعل، ومحاولة التدرب على السلوك، أو الاستجابة الصحيحة، والتكرار لذلك الأمر في أوقات متباينة.

وقد يكون التدريب استباقيا من خلال مواقف مصطنعة داخل البيت، يتم دمجها في عملية تمثيلية يقوم فيها الوالدان بمحاكاة الأدوار، دور المُنكِر بشدة، ودور الذي أُنكر عليه، وكيف كانت مشاعره ورد فعله الشديد، ثم إعادة الموقف مرة أخرى، ولكن بعد تطبيق القواعد التي سيتم الاتفاق عليها بإنكار المنكر برفق إذا كان باللسان أو بالقلب.

رابعاً:

تجهيز بعض الفيديوهات التي تظهر بعض التصرفات الخاطئة للأولاد وتوجد منها بعض المقاطع على الانترنت ومن ثم مناقشتها مع الطفل، وطرح بعض الأسئلة حولها. __ونفس الأمر مع القصص المصورة أو المقروءة__.

ما رأيك في تصرف الولد؟ بماذا تشعر لو حدث معك هذا الأمر؟ لماذا أساء الولد التصرف؟ بماذا تنصح هذا الولد؟ ما ذا تفعل لو كنت مكانه؟ كيف يكون رد فعلك في الحالة الأولى _ بعد السلوك الخاطئ_ وماذا سيكون رد فعلك بعد أن صحح الولد سلوكه وتعامل بلباقة؟

وممكن أيضَا نفس هذه الأسئلة، أو ما يقاربها مع الفقرة الماضية: أثناء عملية التدريب وتمثيل الأدوار والمحاكاة.

ويمكن أن ننمي القدرة على التعامل في هذه المواقف “مشاهدة الفيديوهات وقراءة القصص” ونعدل ردود الفعل الخاصة به، بما يُسمى الإرشاد الجمعي :

الولد وإخوته أو الأطفال من عمره أو أعمار مختلفة متقاربة يجلسون معًا ونجهز بعض المواقف التربوية_فيديوهات_قصص_ تمثيل الأدوار_ ونسألهم كيف من المفروض أن يتعاملوا ونأخذ الاستجابات منهم جميعا ثم نناقشها، ويمكن أن يقوم الأب أو الأم في آخر الجلسة بتمثيل الأدوار وتشارك الأطفال في هذا التمثيل، وترى استجاباتهم الصحيحة.

خامسًا:

يجب أن نضع بعض القواعد التي تحكم تصرف وسلوك هذا الابن مع الكبار، ومع أقرانه، وكذلك وضع بعض الأسس التي ينبغي عليه فهمها وإدراكها:

القواعد:

1-الاحترام أولاً:

توضيح القاعدة: ابدأ دائمًا حديثك باحترام، حتى لو كنت لا توافق على ما يحدث، ما دام أنه ليس فيه ضرر جسدي عليك.

الشرح: علّم الطفل أن يبدأ كلامه بعبارات احترام، مثل “لو سمحت” أو “أعتذر على الإزعاج، لكن هل يمكنني قول شيء؟ من فضلك ممكن أقول حاجة؟ أو محتاج أقول شيء لحضرتك؟؟

2-اختيار الوقت المناسب:

القاعدة: “اختر الوقت المناسب للتحدث، ولا تقاطع الآخرين.”

الشرح: علّم الطفل أن ينتظر حتى يكون الكبار في حالة مناسبة للتحدث، مثل أن يكونوا غير منشغلين بشيء آخر، وأن يتجنب مقاطعتهم، وكذلك لا يكون الحديث في مثل هذه الأمور أمام باقي الكبار أو أمام صغار آخرين _فقد يكون هذا داعيًا للخال أو العم أن يرد بشدة حتى لا يحرج نفسه.

3- التحدث بلطف وهدوء مع الآخرين، خصوصًا الكبار.

القاعدة: “استخدم كلمات لطيفة وصوت هادئ.”

الشرح: يجب على الطفل أن يتحدث بنبرة هادئة، ويتدرب على ذلك في البيت، أنا لا أحب الموسيقى لأنني عرفت أنها حرام؟ أتمنى لو لم تكن تشرب السجاير، لأني عرفت أنها ممكن تضرك، والذي يشربها ياخد سيئات، أو: يا عمو فيه أولاد زملائي بيشربوا سجائر وبيقولولي إن اللي بيشربها بيبقى راجل، أقول لهم إيه؟؟

وهذا ربما يكون بديلا هادئا، بعيدا عن الصدامية، ويعفي الولد من تبعات اللهجة التي لا يقبلها محيطه الاجتماعي منه؛ من قبيل: (أنتم بتعملوا الحاجة الحرام ليه؟ مينفعش تسمعوا موسيقى؟ حرام عليكي يا خالتوا تخرجي من غير حجاب؟ اللي بيدخن يا عموا هياخد سيئات وهو كدا مبذر والمبذرين إخوان الشياطين.

4-تجنب المواجهة المباشرة مع الكبار:

القاعدة: “لا تواجه الكبار بطريقة مباشرة أو تحديهم.” _تأتي مع قاعدة الإنكار بالقلب_ وأنه يثاب على مجرد الإنكار بقلبه.

الشرح: يجب أن يفهم الطفل أن مواجهة الكبار بقوة أو أسلوب يحرجهم قد تؤدي إلى ردود فعل سلبية، لذا عليه أن يكون دبلوماسيًا في تعبيره عن رأيه.

5-انسحب بلطف إذا لزم الأمر:

القاعدة: “إذا شعرت أن الموقف قد يتصاعد، انسحب بلطف.”_انكر بقلبك_ ولا تظهر التأفف أو التضايق.

الشرح: علّم الطفل أنه إذا شعر بأن الكبار قد يغضبون أو يتضايقون، يمكنه الانسحاب بأدب قائلاً: أنا آسف ممكن أكون أخطأت في طريقة تعبيري.

قوانين التعامل مع الأقران:

1-المساواة في التعامل:

القاعدة: “عامل أصدقاءك كما تحب أن يعاملوك.”

الشرح: علم الطفل أن يعامل أقرانه باحترام، وأن يتجنب الإهانة أو السخرية منهم، حتى لو كان ينكر عليهم شيئًا، ويتعلم هنا أن لا ينكر منكرا بمنكر، أي لا يقول لهم: إنكم أخطأتم، بلهجة فيها سخرية، أو تجريح؛ فإن من شأن ذلك أن يدفعهم إلى مواجهته بقدر من العنف، اللفظي، أو الجسدي، ويكون قد أخذ سيئات.

2-التوضيح بدلاً من النقد:

القاعدة: “بدلاً من انتقاد أصدقائك، حاول أن توضح لهم رأيك.”

الشرح: شجّع الطفل على استخدام عبارات مثل: “هل فكرت في أن هذا قد يكون غير مناسب؟” بدلاً من “أنت مخطئ”. لقد علمت من القرآن أو من السنة أن هذا حرام. بدلامن : أنتم كدا بتسمعوا كلام الشيطان.

3-تقديم بدائل:

القاعدة: “اقترح بدائل عندما تنكر شيئًا.”

الشرح: علّم الطفل أنه عندما ينكر على أصدقائه أمرًا معينًا، من الأفضل أن يقدم لهم بديلًا، مثل اقتراح لعبة أخرى أو نشاط مختلف.

4-كن واقعيًا، وغير مستعجل.

القاعدة: “ لا تتوقع التغيير الفوري.”

الشرح: وضّح للطفل أن أصدقاءه قد لا يستجيبون فورًا، ويجب عليه أن يكون صبورًا ومتفهمًا، وأنه وإن أنكر عليهم، فليس من واجبه، أو الدور المنوط به: أن يتوقفوا، بل مجرد الأمر بالمعروف؛ ويكون ذلك أيضا: بمعروف، وأسلوب لبق، وقول حسن جميل.

وكذلك إنكار المنكر: إنما يكون برفق ولين، وعدم إصرار على التغيير الآني، والسريع.

وهذا قد يتضح ويظهر أكثر في التدريب بالقدوة في البيت، حينما نطلب منهم أن يلتزموا بسلوك معين.

5-تجنب الشجار:

القاعدة: “لا تدع النقاش يتحول إلى شجار.”

الشرح: علم الطفل أن يبتعد عن النقاش إذا شعر أنه قد يتحول إلى شجار، قائلاً: “لنترك هذا الموضوع الآن ونتحدث عن شيء آخر.”

وكذلك يتعلم الفرق بين الجدال والنقاش، ويكون هذا كثيرًا في المواقف اليومية في البيت، في أمور تخص المساهمات المنزلية، أو المواقف المدرسية، أو الاختلافات بين الإخوة، ونعطيهم استجاباتنا حول ردود أفعالهم، وكيفية تطوير ردود الأفعال.

سادسا: قوانين عامة:

1-التعلم من الأخطاء:

القاعدة: “إذا أخطأت في طريقة إنكارك، تعلم من ذلك، وحاول مرة أخرى _بعد أن تسأل وتستشير وتعرف لماذا أخطأت؟ وما هو السلوك المناسب بعد ذلك؟

الشرح: شجِّع الطفل على مراجعة تصرفاته، والتعلم من أي موقف قد يحدث فيه خطأ، مما يساعده على تطوير نفسه.

2-طلب المساعدة إذا لزم الأمر:

القاعدة: “إذا كنت غير متأكد من كيفية التصرف، اسأل أحد الكبار الذين تثق بهم.”

الشرح: علّم الطفل أنه من الأفضل أن يطلب النصيحة، إذا كان غير متأكد من كيفية التعامل مع موقف معين.

سابعا:

بعض سيناريوهات التمثيل المقترحة، ويمكن أن نزيد في الحوار لغرس القيمة والقدرة على التعبير.

1-سيناريو الموسيقى والأصدقاء:

الموقف: يجلس الطفل مع أصدقائه في المنزل أو في المدرسة، ويقوم أحد الأصدقاء بتشغيل موسيقى.

  • الهدف: تعليم الطفل كيفية التعبير عن رأيه بشكل محترم والتعامل مع اختلاف الآراء.
  • التدريب:
    • الطفل: “أعلم أن الموسيقى يمكن أن تكون ممتعة، لكنني أشعر أنني أفضل عدم الاستماع إليها. هل يمكننا فعل شيء آخر؟”
    • الصديق: “لماذا؟ الجميع يحب الاستماع إلى الموسيقى!”
    • الطفل: “أحترم أنك تحب الموسيقى، لكنني أحب أن ألتزم بما أشعر أنه صحيح بالنسبة لي. يمكننا لعب لعبة أو مشاهدة مادة مفيدة بدلاً من ذلك؟”

​2-سيناريو الكلام الحرام:

الموقف: في المدرسة، يتحدث أحد الأصدقاء بكلمات غير لائقة، أو يستخدم ألفاظاً قد تكون حراماً.

  • الهدف: تعليم الطفل كيفية التعامل مع المواقف غير اللائقة وتوجيه الآخرين بطريقة إيجابية.
  • التدريب:
    • الصديق: “أنت دائمًا تقول إن هذه الكلمات حرام، لكنني لا أرى أي مشكلة فيها.”
    • الطفل: “أنا أحاول تجنب هذه الكلمات لأنني أؤمن بأنها ليست صحيحة. يمكننا أن نتحدث بطريقة أخرى دون استخدام هذه الكلمات.”
    • الصديق: “لكنها مجرد كلمات!”
    • الطفل: “صحيح، لكنها تؤثر على الآخرين بطريقة سلبية، وأنا أفضل أن أكون نموذجاً جيداً في كلامي.”
    • الصديق” لا تؤثر على الآخرين، فالجميع يقولونها ويضحكون وهم فرحون.
    • الطفل” صحيح، ولكن هذا لا يعني أنها جيدة أو حلال. وأي كلام ننطق به يحاسبنا الله عليه. هل تستطيع أن تقول هذه الكلمات غير المهذبة، أمام المدير أو أمام والديك؟

​3-سيناريو التعامل مع الإحراج:

الموقف: يشعر الطفل بالحرج عندما يسأله أحد عن سبب عدم مشاركته في نشاط معين يعتبره غير مناسب.

  • الهدف: تعزيز قدرة الطفل على التعامل مع المواقف المحرجة بلباقة وثقة.
  • التدريب:
    • الشخص الآخر: “لماذا لم تشارك في الحفلة الموسيقية؟ كانت ممتعة!”
    • الطفل: “أحب أن أكون جزءاً من الأنشطة، لكنني أفضل الأنشطة التي تتماشى مع قيمي، أعتقد أن الحفلة كانت مسلية، لكنني اخترت عدم المشاركة لأسباب شخصية.”
    • الشخص الآخر: “لكن الجميع كان هناك!”
    • الطفل: “أعلم، ولكني أشعر بالراحة عندما ألتزم بما أؤمن به.” وأنا أؤمن بأن الموسيقى حرام، ولا أحب الاستماع لها أو المشاركة في الأنشطة الموسيقية.
    • الصديق: ولكن بعض العلماء والمشايخ طلعوا على التلفاز وقالوا إنها حلال ما دمنا نسمعها في وقت غير وقت الصلوات؟
    • الطفل: نعم، أعلم أن هناك من يقول: إن الموسيقى حلال، ولا تتصادم مع الدين الذي نؤمن به؛ ولكن: أبي، أمي، معلمي … = علمني أن السنة النبوية علمتنا عدم الاستماع إلى الموسيقى، وأن الأكثر من العلماء : يقولون إنها حرام. وأنا مؤمن بذلك، ومقتنع به.
    • وفي النهاية يقول الطفل لصديقه: ( تخيل يوم القيامة: وتلاوة الإنسان للقرآن واستماعه إليه قد أتى في كفة حسناته؛ هل ستكون الأغاني والموسيقى في نفس مكان القرآن؛ ولا في الكفة التانية) ؟

ويتم تعزيز الطفل كلما نجح في تنفيذ أي جزء ولو بسيط من الخطة المتفق عليها.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب