الحمد لله.
هذا الحديث أخرجه أبو داود الطيالسي رحمه الله في مسنده (1637) قال: حدثنا شعبة، عن مسلم القُرِّي قال: "دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم".
ومن طريق الطيالسي أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5515).
وهذا إسناد رجاله رجال الصحيح.
إلا أن أبا داود الطيالسي وهم في هذا الحديث على شعبة بن الحجاج في قوله (متعة النساء)، والمحفوظ روايةً أن السؤال كان عن (متعة الحج) لا (متعة النساء).
فأخرجه مسلم في صحيحه (1238) من طريق روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن مسلم القرِّي، قال: "سألت ابن عباس رضي الله عنهما، عن متعة الحج؟ فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أم ابن الزبير: تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها، فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها، فإذا امرأة ضخمة عمياء، فقالت: "قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها".
ثم أخرجه الإمام مسلم من رواية عبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن جعفر عن شعبة.
قال الإمام مسلم: "فأما عبد الرحمن ففي حديثه (المتعة) ولم يقل متعة الحج، وأما ابن جعفر فقال: قال شعبة: قال مسلم: لا أدري متعة الحج أو متعة النساء". انتهى من "صحيح مسلم" (2/909)
قال الشيخ ابن باز: "وما دام الأمر هكذا ففي كون لفظ (متعة النساء) في رواية النسائي من طريق مسلم القري محفوظا نظر". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (20/ 383)
وقال محققو مسند الإمام أحمد بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله تعالى: ورواية الطيالسي جاء فيها: (متعة النساء)، لكنها وقعت عند الطبراني: (المتعة) دون تقييد.
قلنا: والصواب أنها متعة الحج كما جاء في رواية روح عن شعبة هنا، وكما سلف في الروايات الأخرى للحديث"، انتهى من "مسند أحمد" (44/ 511 ط الرسالة).
ومما يؤكد أن الصحيح في الرواية (متعة الحج):
أنه قد روى هذه القصة عن أسماء : مجاهد بن جبر المكي عند الإمام أحمد في المسند (26917)، وعبادة بن المهاجر في المسند أيضا (26962)، في متعة الحج.
ومما يُقطع به: أن الذي فعلته أسماء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو متعة الحج لا النكاح، فقد كانت زوجةً للزبير بن العوام، فأنى لها أن تتزوج وهي متزوجة!
ولو فرض أن هذه اللفظة ثابتة، فيكون ذلك من باب الإخبار عن كون المتعة كانت مباحة أول الأمر، وأنها كانت معلومة، يعمل بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولا يلزم منه أن تكون فعلتها بنفسها.
ولا يلزم – كذلك – أن يكون الصحابة "كلهم" قد فعلوها مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذه متعة الحج، وهي ثابتة، لا إشكال في ثبوتها، بل لا إشكال في أنها محكمة لم تنسخ، وأنها باقية مشروعة للأمة، وأنها أفضل الأنساك الثلاثة عند الجمهور من أهل العلم.
وقد روى البخاري (4581)، ومسلم (1226)، واللفظ له: "عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ:
نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللهِ - يَعْنِي: مُتْعَةَ الْحَجِّ -، وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ بَعْدُ مَا شَاءَ ".
فعمران يقول هنا: أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: "فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ: "تَمَتَّعَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ".
ولا يعني: ذلك أن (كل) أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (فعل) متعة الحج معه؛ بل فيهم المهل بحج، وفيهم المهل بعمرة، وفيهم المهل بهما معا، كما ثبت ذلك عنهم.
بل عمران يقول: (قال رجل برأيه ما بعد ما شاء)؛ تعريضا بعثمان رضي الله عنه؛ حيث كان ينهى عنها ..
والكلام في ذلك الشأن يطول؛ وإنما محل الشاهد منه هنا: أن "متعة الحج" قد قال فيها الرواة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (فعلناها)؛ لأنها فعلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكرها، ولم ينه عنها؛ لا أن كل شخص منهم فعلها؛ فكيف بمتعة النكاح، أن يقول جاهل، أو يزعم كاذب: أن أسماء رضي الله عنها قد فعلت، ولو لم يكن لها زوج، لما فعلتها، ولا فعلها أحد معلوم من صحابيات النبي صلى الله عليه وسلم، أهل المدينة، ولا أهل دار الهجرة؛ فكيف وهي ذات زوج؟ فكيف وزوجها الزبير؟!
سبحانك؛ هذا بهتان عظيم!! فقبح الله الكذب، وقبح الله الكذابين.
وينظر جواب السؤال: (258737)، (20738).
والحاصل:
أن مسلم القري روى هذه القصة في متعة الحج، ومرة على الشك، ورواها مرة أخرى فقال: المتعة ولم يقيد، فظنّ الطيالسي أنها متعة النساء، ووهم في ذلك.
وينظر في هذا: "أوهام المحدثين الثقات"، سعيد باشنفر (4/616).
والذي ننصحك به: عدم الدخول في مناظرات مع المخالفين لمنهج أهل السنة والجماعة، إن لم تكن متقنا للعلوم الشرعية راسخا فيها، فإن القلوب ضعيفة والشبه خطافة.
والله تعالى أعلم.
تعليق