الحمد لله.
أولا:
صلاة ركعتين لقضاء الحاجة، جاء في أحاديث لم تصح، منها ما رواه الترمذي (479)، وابن ماجه (1384) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ، أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ، الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، فَائِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، وَفَائِدٌ هُوَ أَبُو الوَرْقَاءِ انتهى.
وقال الألباني: ضعيف جدا.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/ 161): "أما ما يسمى بصلاة الحاجة: فقد جاءت بأحاديث ضعيفة ومنكرة -فيما نعلم- لا تقوم بها حجة، ولا تصلح لبناء العمل عليها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
وينظر جواب السؤال (70295)
ثانيا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب صلاة الحاجة.
وفي "الموسوعة الفقهية" (27/ 211): " اتفق الفقهاء على أن صلاة الحاجة مستحبة" انتهى.
واستدل الفقهاء على استحبابها بالأحاديث الواردة فيها، وهي ضعيفة كما تقدم.
لكن يشهد لهذه الأحاديث قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) البقرة/45
وروى أبو داود (1319) عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى" والحديث حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
ومعنى ( حزبه ) أي نزل به أمر مهم أو أصابه غم.
ولهذا من همه أمر، فصلى ركعتين، ودعا: فهذا حسن؛ لكن من دون تعيين كيفية معينة لهذه الصلاة، ولا تقييد لما يقال فيها، أي يعمل بعموم الآية وحديث حذيفة، لا بالأحاديث الواردة في صفة صلاة الحاجة.
ولهذا فإن النووي رحمه الله قال في صلاة الحاجة: إنها لا تكره، ولم يصرح باستحبابها، وهذا أعدل الأقوال في المسألة.
قال الإسنوي في "المهمات" (3/269): "واعلم أن النووي في "شرح المهذب" لم يصرح في صلاة الحاجة باستحباب ولا بعدمه، بل اقتصر على ذكر حديثها وضعفه، وقال في "التحقيق": إنها لا تكره، وإن كان حديثها ضعيفًا، إذ لا تعب فيها". انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "صلاة قضاء الحاجة هل تصلى بالدعاء المذكور؟ أم هي بدعة؟ وما هو التناسب بين صلاة الحاجة، وحديث الرسول ﷺ بأنه إذا أخذ أمر لجأ إلى الصلاة، وهل تصلى قضاء الحاجة؟
فأجاب: كان النبي ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، كما قال الله جل وعلا: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ البقرة/45.
فإذا صلى الإنسان، واستعان بربه في سجوده أو في آخر الصلاة على الحاجات التي تهمه: كله طيب.
ولا أعلم حديثًا صحيحًا باسم صلاة الحاجة، لكن هذا يظهر من قوله جل وعلا: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة:45]، ومن الحديث: كان النبي ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وقال ﷺ: ما من عبد يتوضأ فيحسن الطهور، ثم يستغفر من ذنبه إلا غفر الله له، ما من عبد يتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله غفر الله له.
فالمقصود: أنه إذا استعان بالصلاة في طلب ربه الحاجة، أو في التوبة إلى الله: كان هذا من أسباب المغفرة" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (11/ 100).
ثالثا:
لا يعتمد في هذا الباب على التجربة، كأن يقال: إن فلانا فعل ذلك فتحقق له مراده؛ لأن العبادة توقيفية، لا يشرع منها إلا ما ثبت بالدليل الصحيح.
قال الشوكاني رحمه الله: " السّنة لَا تثبت بِمُجَرَّد التجربة، وَلَا يخرج بهَا الْفَاعِل للشَّيْء مُعْتَقدًا أَنه سنة عَن كَونه مبتدعا.
وَقبُول الدُّعَاء لَا يدل على أَن سَبَب الْقبُول ثَابت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقد يُجيب الله الدُّعَاء من غير توسل بِسنة، وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ، وَقد تكون الاستجابة استدراجا " انتهى من " تحفة الذاكرين " ص 215.
رابعا:
الدعاء من أعظم وسائل حصول المطلوب، مع الاستقامة والعمل الصالح، كما قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60، وقال سبحانه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62، وقال عز شأنه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ البقرة/186.
وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطلاق/2-3.
وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ النحل/97.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
قالوا: إذا نكثر؟
قال: الله أكثر).
رواه أحمد (10749)، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب" (1633).
قال ابن عبد البر رحمه الله: "فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة " انتهى من "التمهيد" (10/ 297).
والدعاء في السجود مظنة الإجابة؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ رواه مسلم (482).
ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ رواه مسلم (479).
فأكثري من فعل السنن والرواتب وقيام الليل والوتر، واغتمني الدعاء في ساعات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، والساعة الأخيرة من نهار الجمعة، وبين الأذان والإقامة، وسلي الله حاجتك، وصلاح دينك ودنياك وآخرتك، فإنه سبحانه سميع قريب مجيب.
والله أعلم.
تعليق