الحمد لله.
لا حرج أن تصلي المرأة متزينة بالمجوهرات ونحوها، إذا كان لا يراها الرجال، سواء وضعت المجوهرات على ملابسها، أو على بدنها تحت الملابس؛ لأن الأصل الإباحة.
وقد روى البخاري (964)، ومسلم (884) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ تُلْقِي المَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا”.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “الفتح” (2/ 454) : “خرصها ، هو الحلقة من الذهب أو الفضة، وقيل هو القرط إذا كان بحبة واحدة. وقوله: “وسخابها” هو قلادة من عنبر أو قرنفل أو غيره، ولا يكون فيه خرز، وقيل هو خيط فيه خرز، وسمي سخابا لصوت خرزه عند الحركة مأخوذ من السخب وهو اختلاط الأصوات، يقال بالصاد والسين” انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: “هل يجوز للمرأة أن تصلي وهي متزينة بالذهب والمكياج؟
فأجاب: نعم، لها أن تصلي وهي متزينة بالذهب والملابس الجميلة والمكياج، إذا كان المكياج نظيفا طاهرا ليس به نجاسة، فلا حرج بذلك، لها أن تصلي مع الخشوع ومع الإقبال على الله عز وجل، الله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.
المؤمن مشروع له أن يصلي بزينته في المساجد في الملابس الحسنة، والعمامة الحسنة.
وهكذا المرأة إذا صلت في ملابس جميلة: لا حرج، إذا كانت مستورة عن الرجال الأجانب، ما عندها رجال أجانب: فلا حرج أن تصلي به.
والمكياج زينة للوجه وجمال للوجه إذا كان لا يضره، إذا مسحت وجهها بشيء يزينه ولكنه لا يضره: فلا بأس” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (7/ 278).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (21970).
ثانيا:
أما مشروعية ذلك للمرأة، بحيث تقصد وتتعمد لبس الحلي في صلاتها: فلا يستحب ذلك؛ لأن الاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل ولم نقف على من استحب ذلك للمرأة، إلا ما جاء عن بعض السلف من كراهة أن تصلي المرأة بغير قلادة، لئلا تشبه الرجال.
روى عبد الرزاق في المصنف (5045): “أن أُمُّ الْفَضْلِ ابْنَةُ غَيْلَانَ وَهِيَ ابْنَةُ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ كتبت إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهَا قِلَادَةٌ؟ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهَا: لَا تُصَلِّي الْمَرْأَةُ إِلَّا وَفي عُنُقِهَا قِلَادَةٌ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا سَيْرًا”.
وروى (5044) عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، “كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهَا قِلَادَةٌ، قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: «لِأَنْ لَا تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ”.
قال ابن رشد رحمه الله: “وقد كره جماعة السلف للمرأة أن تصلي بغير قلادة…
ولم يكره مالك – رَحِمَهُ اللَّهُ – أن تصلي بغير قلادة ولا قرطين، وإن كانت القلادة والقرطان للمرأة من زينتها وحسن هيئتها، كما كره للرجل أن يصلي بغير رداء، من أجل أن الرداء من زينته وحسن هيئته.
والفرق بينهما عنده، والله أعلم أن القلادة والقرطين من الزينة التي أمر الله تعالى أن لا تبديها إلا لزوجها، أو لذي المحرم منها، وبالله التوفيق” انتهى من “البيان والتحصيل” (1/ 255).
وأما قوله تعالى: (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ففسر ابن عباس الزينة بالثياب.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ، فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي تَطْوَافًا تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا، وَتَقُولُ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ … فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أَحِلُّهُ
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (3028).
قال الخطيب الشربيني رحمه الله في “مغني المحتاج” (1/400): ” ويسن للرجل أن يلبس للصلاة أحسن ثيابه، ويتقمص، ويتعمم،، ويتطيلس، ويرتدي،، ويتَّزِر أو يتسرول، وإن اقتصر على ثوبين، فقميص، مع رداء أو إزار أو سراويل: أولى، من رداء مع إزار أو سراويل، ومن إزار مع سراويل.
وبالجملة: فالمستحب أن يصلي في ثوبين، لظاهر قوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} ، والثوبان أهم الزينة.
ولخبر «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله تعالى أحق أن يزين له، فإن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى، ولا يشتمل اشتمال اليهود» رواه البيهقي.
فإن اقتصر على واحد: فقميص، فإزار، فسراويل، ويلتحف بالثوب الواحد إن اتسع، ويخالف بين طرفيه، فإن ضاق اتَّزر به، وجعل شيئا منه على عاتقه.
ويسن للمرأة، ومثلها الخنثى، في الصلاة ثوب سابغ لجميع بدنها، وخمار، وملحفة كثيفة” انتهى.
وإذا خرجت إلى المسجد فإنها تخرج بثياب لا حلي فيها ولا تتطيب، كما روى أحمد (9645) وأبو داود (565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ) وصححه الألباني.
قال في “عون المعبود” (2/192): “وَإِنَّمَا أُمِرْنَ بِذَلِكَ، وَنُهِينَ عَنِ التَّطَيُّبِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْنَبَ؛ لِئَلَّا يُحَرِّكْنَ الرِّجَالَ بِطِيبِهِنَّ.
وَيَلْحَقُ بِالطِّيبِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمُحَرِّكَاتِ لِدَاعِي الشَّهْوَةِ، كَحُسْنِ الْمَلْبَسِ، وَالتَّحَلِّي الَّذِي يَظْهَرُ أثره، والزينة الفاخرة” انتهى.
والحاصل:
أن المرأة لها أن تصلي بزينتها ومجوهراتها.
لكن الذي يظهر: أنه لا يشرع لها أن تتعمد لبس حليها، ووضع زينة النساء المعروفة ـ سوى ملابسهاـ لأجل الصلاة؛ فإن هذه الزينة إنما تكون عادة: لأجل الرجال، وداعية إظهار جمالها للناس؛ ولا نعلم أحدا من نساء الصحابة، ولا التابعيات: تقصدن فعل ذلك لأجل الصلاة، ولا رغب فيه أحد من أهل العلم، فيما نعلم.
والله أعلم.
تعليق