الحمد لله.
أولا:
روى الترمذي (2738) عَنْ نَافِعٍ: " أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وحسنه الألباني.
لكن في إسناده: حَضْرَمِيٌّ مَوْلَى آلِ الْجَارُودِ، وهو "مجهول"، كما قرره الشيخ الألباني، رحمه الله، نفسه في تخريجه لحديث آخر في "الضعيفة" (6279)؛ بل ذكر الشيخ هناك أنه راوي هذا الحديث. قال:
" الحضرمي هذا، إن كان ابن عجلان مولى الجارود؛ فهو مجهول الحال، روى عنه ثلاثة، ولم يوثقه غير ابن حبان (6/249) ، واستغرب له الترمذي حديثاً في العطاس، وصححه الحاكم، وهو مخرج في "الإرواء" (3/245) ، وقال الذهبي في " الكاشف ":"صدوق". وقال الحافظ: "مقبول "." انتهى، من "الضعيفة" (13/606).
ولذلك قال السخاوي في رواه الطبراني وسنده ضعيف وهو عند الترمذي وقال غريب. انتهى، من القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع (ص226).
وينظر للفائدة: "جلاء الأفهام" لابن القيم (499-503) ط عطاءات العلم، وحواشي التحقيق، "سلسلة الآثار الصحيحة من أقوال الصحابة والتابعين" (2/111).
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (8/8): " (فقال) أي العاطس (الحمد لله والسلام على رسول الله) يحتمل أن يكون من جهله بالحكم الشرعي، أو ظن أنه يستحب زيادة السلام عليه لأنه من جملة الأذكار (فقال) أي (بن عمر وأنا أقول) كما تقول أيضا (الحمد لله والسلام على رسول الله) لأنهما ذكران شريفان كل أحد مأمور بهما، لكن لكل مقام مقال، وهذا معنى قوله (وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بأن يضم السلام مع الحمد عند العطسة، بل الأدب متابعة الأمر من غير زيادة ونقصان من تلقاء النفس إلا بقياس جلي (علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال) فالزيادة المطلوبة إنما هي المتعلقة بالحمدلة، سواء ورد أو لا، وأما زيادة ذكر آخر بطريق الضم إليه فغير مستحسن؛ لأن من سمع ربما يتوهم أنه من جملة المأمورات" انتهى.
ثانيا:
الثابت عند الذبح أن يقول الذابح: بسم الله والله أكبر.
كما روى البخاري (5565)، ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا".
ولا تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح، عند أكثر أهل العلم، خلافا للشافعي رحمه الله.
ونقلت كراهة ذلك عن مالك والليث بن سعد وجماعة.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/410): " يستحب مع التسمية على الذبيحة أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الذبح، نص عليه الشافعي في الأم، وبه قطع المصنف في التنبيه وجماهير الأصحاب، وفيه وجه لابن أبي هريرة أنه لا يستحب ولا يكره ...هذا مذهبنا، ونقل القاضي عياض عن مالك وسائر العلماء كراهتها، قالوا: ولا يذكر عند الذبح إلا الله وحده" انتهى.
وقال في (8/412): " (وأما) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح فمستحبة عندنا، وكرهها الليث ابن سعد وابن المنذر" انتهى.
وينظر: "الأم" (2/ 262).
وقال ابن قدامة في "المغني" (9/ 368): "ولا تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية في ذبح ولا صيد، وبه قال الليث.
واختار أبو إسحاق بن شاقلا: استحباب ذلك، وهو قول الشافعي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي مرة، صلى الله عليه عشرا، وجاء في تفسير قوله تعالى: ورفعنا لك ذكرك [الشرح: 4] . لا أذكر إلا ذكرت معي.
ولنا قوله عليه السلام: " موطنان لا أذكر فيهما؛ عند الذبيحة، والعطاس " رواه أبو محمد الخلال بإسناده، ولأنه إذا ذكر غير الله تعالى أشبه المهلّ لغير الله" انتهى.
وحديث: ( موطنان لا أذكر فيهما ..): قال ابن الجوزي في "التحقيق" (2/360): " وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ .." فذكره.
وقد نقله الحافظ ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" من رواية الحاكم. قال: "هذا منقطع، وإسناده ساقط..".
ورواه أيضا أبو طاهر المخلِّص في "المخلِّصِيَّات" (1/421، رقم 736). قال السخاوي في "القول البديع" (216): " لا يصح".
وقال القاضي عياض رحمه الله: " وكره كافتهم من أصحابنا وغيرهم الصلاة على النبى عند التسمية فى الذبح، أو ذكره، وقالوا: لا يذكر هنا إلا الله وحده، وأجاز الشافعى الصلاة عليه" انتهى من "إكمال المعلم" (6/413).
وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 18): " ذكر ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الذبائح: أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - تكره عند الذبح وعند العطاس والجماع والعثرة والتعجب وشهرة المبيع وحاجة الإنسان، وذكرها الشيخ يوسف بن عمر إلا شهرة المبيع، وذكر بدله عند الأكل.
وأصل مسألة الذبح: في كتاب الذبائح من المدونة، قال فيها: وليس بموضع صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشيخ أبو الحسن في الأمهات: قيل لابن القاسم: هل يقول بعد التسمية صلى الله على محمد أو محمد رسول الله ؟ قال: ذلك موضع لا يذكر فيه إلا اسم الله وحده.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: عن ابن القاسم إن في بعض الأحاديث موطنين لا يذكر فيهما إلا اسم الله وحده: الذبيحة والعطاس، لا يقل بعد التسمية والتحميد: محمد رسول الله، وإن شاء قال بعدهما: صلى الله على محمد؛ لأن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست بتسمية له مع اسمه سبحانه، وقاله أشهب، وقيل لا يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - في أربعة مواضع: عند الذبح والعطاس والجماع وحاجة الإنسان" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكذلك تنازعوا؛ هل تكره الصلاة عليه عند الذبح؟ فكره ذلك مالك وأحمد وغيرهما. قال القاضي عياض: وكره ابن حبيب ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلّم عند الذبح... وقال أصبغ عن ابن القاسم: موطنان لا يذكر فيهما إلا الله؛ الذبح والعطاس فلا يقال فيهما بعد ذكر الله: محمد رسول الله، ولو قال بعد ذكر الله: محمد رسول الله، لم يكره تسميته له مع الله. وقال أشهب: لا ينبغي أن تجعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم استنانا.
قلت: والشافعي لم يكره ذلك، بل قال: هو من الإيمان، وهو قول طائفة من أصحاب أحمد، كأبي إسحاق ابن شاقلا. " انتهى من "الرد على الإخنائي"، ص 78.
وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (6/208): "(ويسن التكبير معها) أي مع التسمية (فيقول بسم الله والله أكبر)، لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح قال بسم الله والله أكبر وكان ابن عمر يقوله. ولا خلاف بأن قول بسم الله يجزئه.
(ولا تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - عليها): أي على الذبيحة؛ لعدم وروده، ولأنها لا تناسب المقام، كزيادة الرحمن الرحيم" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في اشتراط الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة: "والدليل على اشتراط الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم: أن كل عبارة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله صلّى الله عليه وسلّم، هكذا علل بعض العلماء.
وهذا التعليل عليل، وليس بصحيح، وما أكثر العبادات التي لا تفتقر إلى ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهي تفتقر إلى ذكر الله. مثلاً: لو أراد الإنسان أن يتوضأ يقول: باسم الله، ولا يقول: الصلاة والسلام على رسول الله.
ولو أراد الإنسان أن يذبح يقول: بسم الله، دون أن يصلي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بل كره بعض العلماء: أن يصلي على النبي صلّى الله عليه وسلّم عند الذبح، وقال: لأن هذا يؤدي إلى الشرك، وحتى لا يكون الإنسان يذبح لله ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم" انتهى من "الشرح الممتع" (5/ 53).
والحاصل:
أن الصواب أنه لا تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح، وما قاله الشافعي رحمه الله اجتهاد منه، وكل يؤخذ منه ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
تعليق