السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

صلى الفجر بعد الأذان الأول يظنه الثاني فهل يلزمه القضاء؟

527257

تاريخ النشر : 24-11-2024

المشاهدات : 795

السؤال

كنت قد صليت لعدة أشهر صلاة الفجر في البيت، وبعد سنة علمت أني صليتها في الأذان الأول ولم أكن أعلم، وكنت أحسب أنه الأذان الثاني، فكيف أقضي تلك الصلوات، وأنا لا أعلم عددها؟ وهل صلواتي التي أصليها كل يوم، وأنا لم أقضي حتى الآن مقبولة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا تصح الصلاة قبل وقتها؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/ 103، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد مواقيت كل صلاة ابتداء وانتهاء.

ووقت الفجر يبدأ من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس؛ لما روى مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ).

وروى الترمذي (705)، وأبو داود (2348) عن طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَلَا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ المُصْعِدُ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ) وصححه الألباني.

ورواه أحمد (16291) عن طَلْقٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلَ فِي الْأُفُقِ وَلَكِنَّهُ الْمُعْتَرِضُ الْأَحْمَرُ) وحسنه محققوا المسند.

فالفجر فجران: كاذب، وهو البياض المستطيل في السماء من أسفل الأفق إلى أعلى، كالعمود، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة.

والفجر الصادق: البياض المعترض أو المستطير الذي يمتد يمنا وشمالا فيعترض في الأفق.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الفروق بينهما ثلاثة:

الفجر الكاذب يظلم الجو بعده، والصادق لا يزداد إلا إسفارا.

الفجر الكاذب يكون مستطيلا. والصادق يكون مستطيرا.

الفجر الكاذب بينه وبين الأفق ظلمة، فهو كالعمود، أبيض لكن أسفله مظلم. والصادق ليس بينه وبين الأفق ظلمة.

هذه الفروق ثلاثة فروق طبيعية، تشاهد. لكننا بواسطة الأنوار ما نشاهد ذلك، إنما لو كنت في بر، وليس حولك أنوار عرفت الفرق" انتهى من "فتاوى ابن عثيمين" (7/ 337).

وعليه؛ فإذا كنت تصلي بعد الأذان الأول، وكان هذا قبل طلوع الفجر الصادق، لم تصح صلاتك.

ولا عذر لك بكونك تظن الأذان الأول هو الثاني، فلا عبرة بالظن البيّن خطؤه، وذمتك مشغولة بالصلاة، فلا تبرأ إلا بأدائها على وجه صحيح.

ثانيا:

إذا لم تصح صلاتك للفجر تلك المدة، فإنه يلزمك قضاؤها، وتعمل بغلبة الظن في تقدير عددها، فلو شككت هل كانت المدة ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، فاجعلها أربعة.

ويجب القضاء على الفور بما لا يضر بك، ويُترك لك وقت النوم والعمل والطعام، وتشرع في قضاء الصلاة، وترتبها بالنية، فتنوي أن هذه عن فجر اليوم الأول، ثم هذه عن الثاني، ثم عن الثالث، وهكذا، وتفعل ذلك في جميع الأوقات حتى أوقات النهي، فتقضي ما عليك صباحا ومساء، كأن تقضي قبل الفجر، وبعده، وبعد طلوع الشمس، وقبل الظهر وبعده، وقبل العصر وبعده، وهكذا، حتى تقضي ما عليك.

قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/ 260): " (ومن فاتته صلاة مفروضة فأكثر) من صلاة (لزمه قضاؤها) لحديث: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصل إذا ذكرها» متفق عليه (مرتبا) …

ولأن القضاء يحكي الأداء (على الفور)، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "فليصلها إذا ذكرها"؛ فأمر بالصلاة عند الذكر، والأمر للوجوب.

(إلا إذا حضر) من عليه فائتة: (لصلاة عيد) فيؤخر الفائتة حتى ينصرف من مصلاه؛ لئلا يُقتدى به.

(ما لم يتضرر في بدنه، أو ماله، أو معيشة يحتاجها)؛ فيسقط عنه الفور، ويقضيها بحيث لا يتضرر؛ لحديث: «لا ضرر ولا ضرار» وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] " انتهى.

ثالثا:

بطلان صلاة الفجر، لا يؤثر على صحة بقية صلواتك في تلك الأيام؛ لأن العبادة إذا أُديت على وجه صحيح، فإنها لا تعاد؛ لما روى النسائي (680) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ) وصححه الألباني.

وكذلك كون ذمتك مشغولة بالقضاء، فهذا لا يؤثر على صحة صلاتك الآن، فتصلي الصلوات مع استمرارك في القضاء.

ويسقط الترتيب بخشية خروج وقت الحاضرة، وبخشية فوات الجمعة، ويسقط كذلك على الراجح بخشية فوات الجماعة، فتقضي ما عليك، ثم إذا أقيمت الجماعة للصلاة الحاضرة دخلت مع الجماعة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "مسألة: هل يسقطُ التَّرتيب بخوف فَوْتِ الجماعة؟

الجواب: المذهب: لا يسقط التَّرتيب، فنقول: ابدأْ بالفائتة، ثم صَلِّ الحاضرةَ مع الجماعة إنْ أدركتها؛ وإلا فلا شيء عليك.

وذهب بعضُ العلماء إلى أن التَّرتيب يسقطُ بخوف فَوْت الجَماعة، ولا سيَّما على القول بأن الجماعة شرط لصحَّة الصَّلاة، فيجب أن تُقدِّمَ الصَّلاة الحاضرة مع الجماعة ثم تُصَلِّي الفائتة" انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 147).

رابعا:

ينبغي أن تقضي الفجر مع سنتها، فإن شق عليك فاقتصر على قضاء الفريضة.

قال في "كشاف القناع" (1/ 261): "(وإن كثرت) الفوائت: (فالأولى تركها) أي: السنن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق، لم ينقل أنه صلى بينها سنة. ولأن الفرض أهم، فالاشتغال به أولى، قاله في الشرح.

(إلا سنة فجر) فيقضيها، ولو كثرت الفوائت؛ لتأكدها، وحث الشارع عليها.

(ويخيّر في الوتر) إذا فات مع الفرض، وكثر. وإلا؛ قضاه استحبابا" انتهى.

هذا ويلزمك التوبة؛ لأن ما صدر منك يدل على تفريط، إذ كيف لا تسمع الأذان الثاني، أو لا تسأل عنه إذا سمعته، أو لا تنظر في التقويم، لمدة سنة؟

خامسا:

من أهل العلم من يرى عدم وجوب القضاء في مثل ذلك، اعتبارا للجهل، لكن بشرط ألا يكون مفرطا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما من ترك الصلاة جاهلا بوجوبها: مثل من أسلم في دار الحرب ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه.

فهذه المسألة للفقهاء فيها ثلاثة أقوال ..

أحدها: عليه الإعادة مطلقا. وهو قول الشافعي وأحد الوجهين في مذهب أحمد.

والثاني: عليه الإعادة، إذا تركها بدار الإسلام دون دار الحرب وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن دار الحرب دار جهل يعذر فيه بخلاف دار الإسلام.

والثالث: لا إعادة عليه مطلقا. وهو الوجه الثاني في مذهب أحمد وغيره …

ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمارا، لما أجنبا، فلم يصل عمر وصلى عمار بالتمرغ، أن يعيد واحد منهما. وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة، لما كان يجنب ويمكث أياما لا يصلي، وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.

ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي.

وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ، ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّي، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزة! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ (أي من الصوفية) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم. فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات، سواء قيل: كانوا كفَّاراً أو كانوا معذورين بالجهل " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/ 101).

والأحوط القضاء عملا بقول الجمهور، ولأنه لا يخلو أمرك من تفريط تلام عليه، فيما يظهر.

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب