الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

هل يستطيع العبد أن يتخذ الله خليلا؟

531911

تاريخ النشر : 01-10-2024

المشاهدات : 1602

السؤال

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لوكان متخذا خليلا لاتخذ أبا بكر رضي الله عنه خليلا، ثم علمت من الشرح أن النبي صلى الله عليه وسلم خليل الله، والخلة الانقطاع والافتقار، وفي الشرح\” لو كُنتُ مُتَّخِذًا صَديقًا أنقَطِعُ إليه، وأُفرِّغُ قَلْبي لمَودَّتِه، لاتَّخَذْتُ أبا بَكرٍ. وقيلَ: أصْلُ الخُلَّةِ: الافْتِقارُ والانْقِطاعُ، فخَليلُ اللهِ: المُنقَطِعُ إليه، وقيلَ: لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَصَرَ حاجَتَه على اللهِ تعالَى، وقيلَ: الخُلَّةُ: الاخْتِصاصُ، وقيلَ: الاصْطِفاءُ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليس له خَليلٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قدِ اتَّخَذَه خَليلًا \” من موقع الدرر السنية ، فهل يصل عبد من غير الأنبياء إلى درجة الخلة في محبة الله عزوجل، إذا لم يحب أحدا سوى الله عزوجل، أو إذا حصل على ما يوصله إلى تلك الدرجة؟

الجواب

الحمد لله.

الخُلَّة أخص من مطلق المحبة، فهي من كمالها وتخللها المحب حتى يكون المحبوب بها محبوبا لذاته، لا لشيء آخر. إذ المحبوب لشيء غيره هو مؤخر في الحب عن ذلك الغير.

ومن كمالها: لا تقبل الشركة والمزاحمة، لتخللها المحب، ففيها كمال التوحيد وكمال الحب” انظر: “مجموع الفتاوى” (10/ 68).

والخُلة صفة ثابته لله عز وجل خص بها اثنين من خلقه، إبراهيم عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم رحمه الله:

“مرتبة الخُلَّة التي انفرد بها الخليلان: إبراهيم ومحمّدٌ صلّى الله عليهما وسلّم كما صحّ عنه: «إنّ الله اتّخذني خليلًا، كما اتّخذ إبراهيم خليلًا» انتهى من “مدارج السالكين” (3/ 400 ط عطاءات العلم).

وهي صفة فعلية ثابتة لله عز وجل، بنص الكتاب والسنة، وإجماع أهل السنة: قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ النساء/125.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل: من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم؛ فقالوا: ليس عن هذا نسألك! قال: فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله رواه البخاري (3353).

وعن جندب رضي الله عنه قال: “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل. فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا. ولو كنت متخذ من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر رواه مسلم (2383).

فيجب على المسلم أن يعتقد: أن الخُلة صفة فعلية اختيارية لله (متعلقة بمشيئته وقدرته عزّ وجل)، ثابتة بالكتاب والسنة، وأن الله يُحِبُّ ويخالل ويصطفي من يشاء من خلقه، كما أنه يكره ويبغض من يشاء منهم.

والواجب: إثبات هذه الصفة لله ـ كسائر صفاته جلّ جلاله ـ على الوجه الذي يليق بجلاله وكماله وعظمته، من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل، وإثبات لوازمها كالرضا، واستجابة الدعوة، والنصر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والخلة والمحبة صفتان لله، هو موصوف بهما، ولا تدخل أوصافه تحت التكييف والتشبيه وصفات الخلق من المحبة والخلة جائز عليها الكيف” انتهى من “مجموع الفتاوى”(5/ 80).

ثانياً

هناك فرق بين من أتخذه اللهُ خليلا من عباده، وبين اتخاذ العبد ربَه خليلا. أو اتخاذ العبد بعض الخلق أخلاء.

فأما الحالة الأولى:

 فكما سبق بيانه: أن الله اختص بها إبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام. ولا ينالها أحد غيرهما بكسب ولا اجتهاد.

وأما الحالة الثانية:

فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر”.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: “إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع” رواه مسلم (648).

وما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم -في حديث جندب السابق ذكره- من أن يكون له خليل غير الله تعالى، هو غير ما أثبته هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم؛ فالممتنع أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم غيره خليلا، ولا يمنع هذا اتخاذ الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر رحمه الله:

«وقول أبي هريرة هذا: لا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر؛ لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلا، لا العكس.

ولا يقال: إن المخاللة لا تتم حتى تكون من الجانبين؟

لأنا نقول: إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين، فأطلق ذلك» انتهى من “فتح الباري لابن حجر” (3/ 57).

والحاصل:

أن كون العبد يصل إلى مرحلة أن يتخذ ربَه خليلا، فهذه ممكنة لمن وفقه الله وأكرمه بكثرة الطاعة والمجاهدة، وفرغ قلبه من محبة من سوى الرحمن جل جلاله.

وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

هل يجوز للإنسان أن يتخذ الله خليلا:

فأجاب: نعم: يحب الله حباً شديداً” انتهى

وأما أن الله جل جلاله، هو من يتخذ العبد خليلا؛ فهذه لم تثبت إلا للخليلين، النبيين الجليلين، محمد صلى الله  عليه وسلم، وأبيه إبراهيم، عليه الصلاة والسلام.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب