الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم رجوع المؤجر عن وعده بإسقاط الأجرة زمن جائحة كرونا؟

535297

تاريخ النشر : 30-10-2024

المشاهدات : 250

السؤال

كنت أستأجر محلا من أحدهم، وقد حدث بيننا خلاف استمر ثلاث سنوات، فقد وعدني بألا يأخذ مني أجرة أيام جائحة كورونا، وقد استمرت فترة كما يعرف الجميع، ولم أكن أستطيع استخدامه؛ لأنه صدر أمر بالإغلاق، وكان قد وعدني بإسقاط الأجرة، وقد استمر الوضع هكذا، لكن حينما كبر المبلغ رجع عن وعده، وأصبح المبلغ كبيرا، واستمر الخلاف إلى الآن، ولدي حاليا سؤالان:
ما الحكم في حالات الجوائح؟ وما حكم رجوعه عن وعده في هذه الحالة؟ هل يجب علي إعطائه المبلغ أم لا يجب ذلك؛ لأنه وعدني بإسقاط الجائحة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الأصل في عقد الإجارة أنه عقد لازم إلى تمام مدته، فلا ينفسخ إلا برضى الطرفين.

لكن إذا حصلت جائحة، وتعذر الانتفاع بالعين المؤجرة، فللمتضرر الفسخ للعذر، وهو ما يسمى بفسخ الإجارة للأعذار الطارئة.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/ 271): " فسخ الإجارة للعذر:

الحنفية- كما سبق-، يرون جواز فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجر (بفتح الجيم) ولا يبقى العقد لازما ويصح الفسخ؛ إذ الحاجة تدعو إليه عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد حينئذ، للزم صاحبَ العذر ضررٌ لم يلتزمه بالعقد؛ فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر، وله ولاية ذلك.

وقالوا: إن إنكار الفسخ عند تحقق العذر: خروج عن الشرع والعقل؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلا ليقلعها، فسكن الوجع، يجبر على القلع. وهذا قبيح شرعا وعقلا.

ويقرب منهم المالكية في أصل جواز الفسخ بالعذر، لا فيما توسع فيه الحنفية، إذ قالوا: لو كان العذر بغصب العين المستأجرة، أو منفعتها، أو أمر ظالم لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة، أو حمل ظِئر – لأن لبن الحامل يضر الرضيع – أو مرضها الذي لا تقدر معه على رضاع: حق للمستأجر الفسخ أو البقاء على الإجارة.

وجمهور الفقهاء، على ما أشرنا: لا يرون فسخ الإجارة بالأعذار؛ لأن الإجارة أحد نوعي البيع، فيكون العقد لازما، إذ العقد انعقد باتفاقهما، فلا ينفسخ إلا باتفاقهما" انتهى.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية انفساخ الإجارة بالأعذار الطارئة، كما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إذا تعذر استيفاء المنفعة بسبب ظاهر. وينظر: "الشرح الممتع" (10/ 72).

وجاء في المعايير الشرعية، معيار الإجارة: "يجوز فسخ عقد الإجارة باتفاق الطرفين، ولا يحق لأحدهما فسخها إلا بالعذر الطارئ، كما يحق للمستأجر الفسخ بسبب العيب الحادث في العين المخل بالانتفاع" انتهى من "المعايير الشرعية"، ص 141

وحاصل ذلك:

أنه كان يحق لك فسخ الإجارة، وتسليم المحل إلى صاحبه، عند حصول جائحة كورونا، والأمر بإغلاق المحلات.

ثانيا:

إذا لم تفسخ العقد، ووعد المالك بإسقاط الأجرة أثناء الجائحة، فرجوعه في وعده له صورتان:

الأولى: أن يكون ذلك بعد مضي المدة، فهذا يحرم عليه؛ لأن الأجرة تثبت شرعا من العقد، فإذا مضت المدة كان دينا، وقد أسقطه، فرجوعه يعني الرجوع في الإبراء، أو الرجوع في الهبة بعد القبض، وذلك محرم، ومن قواعد الفقه: "الساقط لا يعود".

جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/ 144): " والذي يوافق الإبراء من الهبة: هو هبة الدين للمدين، فهي والإبراء بمعنى واحد، عند الجمهور الذين لا يجيزون الرجوع في الهبة بعد القبض.

أما عند الحنفية القائلين بجواز الرجوع في الجملة: فالإبراء مختلف عن هبة الدين للمدين، للاتفاق على عدم جواز الرجوع في الإبراء بعد قبوله؛ لأنه إسقاط، والساقط لا يعود كما تنص على ذلك القاعدة المشهورة " انتهى.

وفي تحريم الرجوع في الهبة بعد القبض: ما روى البخاري (2589)، ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ).

وفي رواية للبخاري (2622) (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ).

وروى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، أَوْ يَهَبَ هِبَةً، فَيَرْجِعَ فِيهَا؛ إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ. وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا، كَمَثَلِ الْكَلْبِ: يَأْكُلُ، فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.

قال ابن قدامة رحمه الله: " (ولا يحل لواهب أن يرجع في هبته، ولا لمُهْدٍ أن يرجع في هديته، وإن لم يُثَبْ عليها)، يعني وإن لم يعوض عنها.

وأراد: من عدا الأب، لأنه قد ذكر أن للأب الرجوع …

فأما غيره: فليس له الرجوع في هبته، ولا هديته.

وبهذا قال الشافعي وأبو ثور " انتهى من "المغني" (5/ 397).

 

الصورة الثانية: أن يرجع في وعده قبل المدة، كما لو مضى شهران مثلا، ثم قال: رجعت في وعدي، ولابد أن تدفع الأجرة عن المدة الباقية، فهذا رجوع في الوعد، وهو جائز عند الجمهور، وهو كالرجوع في الهبة قبل قبضها.

ولأن في ذلك تغريرا بالمستأجر؛ فإنه قد يقول: إنما أبقيت على إجارة العين، في المدة التي سبقت رجوعه عن وعده، ولم أفسخ، بناء على وعد المالك بإسقاط الأجرة، فلن أغرم شيئا مدة الجائحة؛ بل إما غانم، أو سالم.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (402245)، ورقم: (264311).

وعلى ذلك، فلا يحل له المطالبة بأجرة الشهرين اللذين أسقط أجرتهما،

وله المطالبة بأجرة ما بعد ذلك.

وبناء على هذا التفصيل، فيحرم أن يطالب بأجرة مدة كان قد عفا فيها عن الأجرة، ولا يلزمك أن تعطيه إلا إن خشيت ضررا بالحبس ونحوه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب