الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1446 - 18 ديسمبر 2024
العربية

هل يدخل لبس الكعب العالي في قوله تعالى (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)؟

540170

تاريخ النشر : 17-12-2024

المشاهدات : 1

السؤال

هل هذه الآية (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) تدخل بلبس الكعب أيضا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قول الله تعالى في هذه الآية الكريمة (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)

نهى الله تعالى المرأة أن تلفت النظر إلى زينتها المخفية لما يحدثه ذلك من الفتنة والميل إليهن من الرجال.

والآية وإن خصت الخلخال بالذكر، فإنه يدخل في عمومها: لفت الانتباه إلى كل زينة مخفية، فضلا عن إبدائها للرجال، أو فتنتهم بها.

قال ابن كثير رحمه الله:

"وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورا، فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي، دخل في هذا النهي؛ لقوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}" "تفسير ابن كثير" (6/ 49).

وقال القاسمي رحمه الله:

"يدخل في هذا النهي كل شيء من زينتها كان مستورا، فتحركت بحركة، لتظهر ما خفي منها. ومن ذلك ما ورد من نهيها عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليشم الرجال طيبها" انتهى من "تفسير القاسمي" (7/ 379).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية الكريمة:

"{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة.

ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه" انتهى من "تفسير السعدي" (ص567).

ثانياً:

ليس هناك نهي شرعي عن لبس الأحذية ذات الكعب العالي، ولا يحرم ذلك على المرأة بإطلاقه.

وإنما المدار في ذلك على قصد المرأة من لبسه، أو ما يستتبع لبسها لذلك من الآثار.

فإن قصدت به أن تلفت أنظار إليها إذا مشت، كأن يكون الكعب يصدر صوتا لافتا للأنظار، كما هو الحال فيمن تضرب رجلها بالخلخال، لتظهر زينتها. أو تمشي بها مشية المائلات المميلات، أو تفتن بها الرجال، ما كانت الفتنة: فهذا قصد محرم، ولا يحل لها أن تلبسه، إن كان ينتج منه ذلك بطبعه، ومجرد لبسه.

وعلى هذا الوجه: يخرج كلام من منع لبس الكعب العالي من أهل العلم المعاصرين.

جاء في "التفسير المنير" لوهبة الزحيلي رحمه الله (18/ 221):

"ثم نهى الله تعالى عما يكون وسيلة أو ذريعة إلى الفتنة فقال:

{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} أي لا يجوز للمرأة أن تدق برجليها في مشيتها، ليعلم الناس صوت خلاخلها؛ لأنه مظنة الفتنة والفساد، ولفت الأنظار، وإثارة مشاعر الشهوة، وإساءة الظن بأنها من أهل الفسوق، فإسماع صوت الزينة كإبدائها وأشد، والغرض التستر.

وهذا يشمل كل ما يؤدي إلى الفتنة والفساد كتحريك الأيدي بالأساور، وتحريك الجلاجل (المقصات) في الشعر، والتعطر والتطيب والزخرفة عند الخروج من البيت، فيشم الرجال طيبها، ويفتتنون بزخارفها؛

واللام في قوله: {لِيُعْلَمَ} لام العاقبة أو الصيرورة، فهي منهية عن الضرب بالأرجل أمام الرجال الأجانب مطلقا، سواء قصدت إعلامهم أم لم تقصد، فإن عاقبة الضرب بالأرجل ذات الخلاخل، ومثلها: الأحذية الحالية ذات الكعاب العالية؛ أن يعلم الناس ما يخفين من الزينة، فتقع الفتنة بها" انتهى.

وإن كان لا يخرج منها ذلك، إلا بأن تقصده هي، حرم عليها قصد ذلك وعمله.

وإن كانت تلبسه لقصد مباح في الشريعة، ولم يترتب عليه لفت الأنظار إليها: لم يحرم عليها ذلك.

وفي صحيح مسلم (2252) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَصِيرَةٌ تَمْشِي مَعَ امْرَأَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، فَاتَّخَذَتْ ‌رِجْلَيْنِ ‌مِنْ ‌خَشَبٍ وَخَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مُغْلَقٌ مُطْبَقٌ، ثُمَّ حَشَتْهُ مِسْكًا وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ، فَمَرَّتْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ فَلَمْ يَعْرِفُوهَا، فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا – وَنَفَضَ شُعْبَةُ يَدَهُ).

قال الإمام أبو العباس القرطبي، رحمه الله: " يحتمل: أن تكون هذه المرأة فعلت هذا لتستر قصرها عن الناس، فلا ينظرون إليها. ولعل قصرها كان خارجًا عن غالب أحوال القصار. فإنَّ كان هذا، فلا إثم عليها لصحة قصدها، وحسن تسترها. وإن كانت فعلت ذلك لتتزيَّن بإلحاقها نفسها بالطوال؛ فذلك ممنوع منه، فإنَّه من باب تغيير خلق الله كما تقدَّم. وأما اتخاذها خاتم الذهب: فجائز للنساء على ما ذكرناه. وأما اتخاذها المسك: فمباح لها في بيتها، ويلحق بالمندوب إذا قصدت به حسن التبعل للزوج. وأما إذا خرجت: فإن قصدت أن يجد الرِّجال ريحها؛ فهي زانية؛ كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم. ومعناه: أنها بمنزلة الزانية في الإثم. وأما إذا لم تقصد ذلك: فلا تسلم من الإثم؛ كيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدت إحداكُنَّ المسجد فلا تمس طيبًا) وقال: (ليخرجن وهنَّ تفلات) أي: غير متطيِّبات. وكل ذلك هو شرعنا. وهل كان كذلك في شرع بني إسرائيل، أو لا؟ كل ذلك محتمل". انتهى، من "المفهم" (5/557).

وقال الإمام النووي، رحمه الله: " وأما اتخاذ المرأة القصيرة ‌رجلين ‌من ‌خشب حتى مشت بين الطويلتين فلم تعرف فحكمه في شرعنا أنها ان قصدت به مقصودا صحيحا شرعيا بأن قصدت ستر نفسها لئلا تعرف فتقصد بالأذى أو نحو ذلك فلا بأس به وإن قصدت به التعاظم أو التشبه بالكاملات تزويرا على الرجال وغيرهم فهو حرام قوله صلى الله عليه وسلم".

وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:

" ما حكم الإسلام في لبس الحذاء ذي الكعب العالي؟

جـ: أقل أحواله الكراهة؛ لأن فيه أولا تلبيسا حيث تبدو المرأة طويلة وهي ليست كذلك، وثانيا فيه خطر على المرأة من السقوط، وثالثا ضار صحيا كما قرر ذلك الأطباء". انتهى، من "مجموع فتاوى متنوعة" (6/397).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب