الحمد لله.
أولا:
لا حرج في جمع المال وتوزيعه بهذه الطريقة، وهي ما تسمى في بعض البلدان بجمعية الموظفين.
فيجمع المال يوميا من جميع المشتركين، وتعطى حصيلة الأسبوع لواحد منهم، وهكذا في الأسبوع الثاني وما يليه، بحيث يحصل كل مشترك على ما دفعه من مال دون زيادة.
وهذه الجمعية أجازها أكثر أهل العلم المعاصرين، وبينوا أنها لا تدخل في “بيعتين في بيعة”، ولا في القرض الربوي، بل نص جماعة من الشافعية على جوازها.
قال القليوبي رحمه الله في حاشيته (2/ 258): “الجمعة المشهورة بين النساء، بأن تأخذ امرأة من كل واحدة من جماعة منهن قدراً معيناً في كل جمعة أو شهر، وتدفعه لواحدة بعد واحدة إلى آخرهن جائزة، كما قاله الولي العراقي” انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (130147).
ثانيا:
ترتيب المستحقين إما أن يتم بالتراضي، كأن يقدم صاحب الحاجة على غيره، وإما أن يتم بالقرعة، والقرعة مشروعة وهي لتمييز المبهم وترتيب الاستحقاق عند التزاحم.
قال العلامة السعدي رحمه الله:
تستعمل القرعة عند المبهمِ **** من الحقوق أو لدى التزاحمِ
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (33/137): ” القرعة مشروعة باتفاق الفقهاء، وقد تكون مباحة أو مندوبة أو واجبة أو مكروهة أو محرمة في أحوال سيأتي بيانها.
ودليل مشروعيتها الكتاب والسنة.
فأما مشروعيتها من القرآن الكريم فقوله تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم}، أي يحضنها، فاقترعوا عليها.
وقال تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين}.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله (فساهم) يقول: أقرع.
وأما مشروعيتها من السنة المطهرة، فحديث أبي هريرة رضي الله عنه: عرض النبي صلى الله عليه وسلم على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه” انتهى.
ثالثا:
القرعة هنا ملزمة، وإلا لم يكن لها فائدة؛ لأنه إذا لم يحصل التراضي على ترتيب معين، فلا سبيل إلا بالقرعة، وبها يصل المال إلى أصحابه، فيجبرون عليها، وعلى العمل بما خرجت به؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
قال الدردير رحمه الله: “وقسمة القرعة: تمييز حق في مشاع بين الشركاء، لا بيع؛ فلذا يردّ فيها بالغبن، ولا بد فيها من مقوِّم، ويجبر عليها من أباها، ولا تكون إلا فيما تماثل أو تجانس” انتهى من “الشرح الصغير” (3/ 664).
قال الصاوي في حاشيته: “قوله: [من مقوم]: بكسر الواو اسم فاعل: وهو المعدل للأنصباء.
قوله: [ويجبر عليها من أباها] : أي ولو كانت بيعا فلا يجبر عليها من أباها؛ لأن البيع لا بد فيه من رضا المتبايعين” انتهى.
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (33/ 139): ” ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن القسمة إذا تمت عن طريق قاسم، من قِبَل القاضي بالقرعة، كانت ملزمة، وليس لبعضهم الإباء بعد خروج بعض السهام.
وعند الحنابلة، وهو مقابل الأظهر عند الشافعية: أنه إن كان القاسم مختارا من جهتهم، فإن كان عدلا، كان كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة، وإن لم يكن عدلا، لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما، والأظهر عند الشافعية أنه يشترط رضا المتقاسمين بعد خروج القرعة، في حالة ما إذا كان القاسم مختارا من قبلهما وهو المعتمد.
وذهب المالكية إلى أن قسمة القرعة يجبر عليها كل من الشركاء الآبِين، إذا طلبها البعض، إن انتفع كل من الآبين وغيرهم، انتفاعا تاما عُرفا، بما يراد له، كبيت السكنى.
ومفهوم الشرط: أنه إذا لم ينتفع كل انتفاعا تاما، لا يجبر” انتهى.
والحاصل:
أنه إذا لم يتراضَ المشتركون هنا على ترتيب معين، فسبيلهم القرعة، وهي ملزمة لهم، ما لم يتراضَ الجميع على تركها، أو إعادتها.
والله أعلم.
تعليق