الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

كان يدعو الله ألا يقع في المعصية ثم وقع فيها ، فأصابه الجزع

تاريخ النشر : 26-07-2010

المشاهدات : 28437

السؤال

أنا شاب سلكت طريق الالتزام منذ سنين ، ولكن بدأت أضعف وشهوتي أوقعتني في الصغائر ، فأندم وأتوب ، وهكذا طوال أعوام ... حفظت جل القرآن ، ودعوت الله ، وطلبت العلم ، وكنت دائما على وجل أن أقع في كبيرة الزنا ، فكنت أدعو الله كثيرا في القيام ، وأتضرع وأبكى : " اللهم إني أعوذ بك من الزنا ومما يقرب من الزنا" ، وأكرر لسنين ، واصلت الصيام طويلا سرا عن كل الناس حتى أهلي ، والقيام و الدعاء ... تورعت عن أكل الحرام ،... و الناس يقولون أني حسن الأخلاق ، و والله كم عرض على أناس بناتهم ، ولكن لضيق ذات اليد . وأنا أعمل طبيبا للأمراض الجلدية ، فتوقفت عن علاج النساء كي لا أعرض نفسي للفتنة ... كنت لا أركب المواصلات إذا كان المكان الوحيد إلى جوار فتاة ... ثم و قع أمر أنه تعرضت لي فتاة غير ملتزمة ، فضعفت ، ووقعت فيما ظللت أدعو الله أن يعصمني منه لسنين !! مصيبة والمصيبة الأكبر أنني أرى من حولي لم يدعوا مثلما دعوت ، ولا قاموا ولا صاموا ، واختلطوا بالنساء ، ومع ذلك لم يقعوا في الزنا ، وأنا وقعت ... مذهول ، غير واثق في شيء ... ماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله.


أما ما تفعله الآن ، أيها المسكين المبتلى ، أولا ، وقبل كل شيء ، وقبل كل كلام ـ أيضا ـ : فتب إلى الله توبة نصوحا ، صادقة من قلبك ، خالصة ، كما أمرك ربك :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم/8 .
فاغسل بدمع الندم ، وماء التوبة ، نجاسة المعصية ، وقذر الفجرة التي فجرتها :
( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة/222 .
ثم نقول لك :
لا تلومن إلا نفسك ، أيها المسكين ، وحذار حذار من أن تلوم القدر ، أو تلوم ربك : أنك دعوت ودعوت ، ثم وقعت فيما وقعت فيه !!
فهذا كله من نفسك ، وبما قدمت يداك ، لا من ربك البر الرحيم :
( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) النساء/79 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره (1/188) :
" مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ أي: في الدين والدنيا فَمِنَ اللَّهِ هو الذي مَنَّ بها ويسرها بتيسير أسبابها ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ في الدين والدنيا فَمِنْ نَفْسِكَ أي: بذنوبك وكسبك ، وما يعفو الله عنه أكثر . فالله تعالى قد فتح لعباده أبواب إحسانه ، وأمرهم بالدخول لبره وفضله ، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله ؛ فإذا فعلها العبد فلا يلومن إلا نفسه ، فإنه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره " . انتهى .
تذكر ذنوب الخلوات ، تذكر الهمم والخطرات والنظرات ، تذكر الصغائر والمُحَقَّرات :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ ) رواه أحمد (37/467) ط الرسالة ، وصححه الألباني ، وقال محققو المسند : "إسناده صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين" انتهى .
لقد كان من أهم الواجبات عليك ، وأنت تشعر في نفسك بذلك الضعف الذي يخيفك أثره : أن تسعى لتحصين نفسك بالزواج المبكر ، قدر الإمكان ، وكان بإمكانك أن تجد الفرصة المواتية لذلك ، لو أنك كنت جادا حقا ؛ فقد عرض أناس عليك بناتهم ، كما ذكرت ، وكان بالإمكان أن تقبل بعض هذه الأسر الكريمة التي رغبت فيك ، ووثقت بك ، كان من الممكن أن تقبل بأوضاعك المادية ، وتتعاون معك على إتمام زيجة بتكلفة مناسبة .
لكن يبدو أنك خضعت لاعتبارات اجتماعية معينة ، كان نتيجتها ما أنت فيه الآن .
وهنا يتوجب عليك أن تستدرك ذلك الخلل ، وتكمل مشوار التوبة ، وإصلاح ما فات ، بتحصين نفسك ، والمسارعة بالزواج ، حتى تعف نفسك ، وتحصن فرجك .
وينظر جواب السؤال رقم (20983) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب