الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

هل أخبرت سورة المدثر عن فيروس كورونا ؟ وهل يحرم تسميته بكورونا ؟

تاريخ النشر : 12-04-2020

المشاهدات : 9930

السؤال

هل صحيح أن سورة المدثر أخبرتنا عن فايروس كورونا ؟ حيث انتشرت رسالة عبر وسائل التواصل تقول ما يلي: " هذا الفيروس سماه العلماء covid19 ؛ سمي بذلك لأنه ظهر أواخر سنة ألفين وتسعة عشر، قال تعالى : (لا تبقي ولا تذر، لواحة للبشر، عليها تسعة عشر). ظهر في دولة هي ثاني قوة إقتصادية، والأول عالميا من حيث الكثافة السكانية قال تعال : (ذرني ومن خلقت وحيدا، وجعلت له مالا ممدودا، وبنين شهودا). وكيفية التعامل معه ؟ " إلى آخر ما جاء فيها من الترهات ، هذه هي الرسالة المنتشرة ، فما صحة هذه الرسالة ؟ وهل يجوز نشرها بين الناس ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا شك أن ما ذُكر ضلال بين، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، ولا علاقة له بتفسير القرآن العظيم، والعدد المذكور وهو (تسعة عشر) إنما هو لخزنة جهنم، والآية صريحة في ذلك، لا تحتمل غيره، قال تعالى:  سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا  المدثر/26-31

قال الطبري رحمه الله في تفسيره (23/ 435): " وقوله: عليها تسعة عشر [المدثر: 30] يقول تعالى ذكره: على سقر تسعة عشر من الخزنة. وذكر أن ذلك لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو جهل: ما: حدثني به محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، عليها تسعة عشر [المدثر: 30] إلى قوله: ويزداد الذين آمنوا إيمانا [المدثر: 31] فلما سمع أبو جهل بذلك قال لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أبا جهل، فيأخذه بيده في بطحاء مكة فيقول له: أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى [القيامة: 35] فلما فعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل: والله لا تفعل أنت وربك شيئا. فأخزاه الله يوم بدر".

إلى أن قال: " وقوله: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة [المدثر: 31] يقول تعالى ذكره: وما جعلنا خزنة النار إلا ملائكة. يقول لأبي جهل في قوله لقريش: أما يستطيع كل عشرة منكم أن تغلب منها واحدا؟ فمن ذا يغلب خزنة النار وهم الملائكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا ابن زيد، في قوله: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة [المدثر: 31] قال: ما جعلناهم رجالا، فيأخذ كل رجل رجلا كما قال هذا.

وقوله: وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا [المدثر: 31] يقول: وما جعلنا عدة هؤلاء الخزنة إلا فتنة للذين كفروا بالله من مشركي قريش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا [المدثر: 31] إلا بلاء [ص:438] وإنما جعل الله الخبر عن عدة خزنة جهنم فتنة للذين كفروا، لتكذيبهم بذلك، وقول بعضهم لأصحابه: أنا أكفيكموهم...

وقوله: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب [المدثر: 31] يقول تعالى ذكره: ليستيقن أهل التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدة خزنة جهنم، إذ وافق ذلك ما أنزل الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وسلم" انتهى من تفسير الطبري.

فهذه عدة أي عدد خزنة جهنم، ولا علاقة لذلك بسنة 2019 من قريب أو بعيد، ومتى كان القرآن أو السنة يحفلان بهذا التاريخ الميلادي!

ثم إن الله سبحانه أخبر أن الكفار فتنوا بهذا العدد، فأي فتنة لهم برقم 2019 ؟!

وهذا المفتري جعل فتنة الكفار إشارة لضعف الفيروسات، وهذا خلاف صريح الآية، فإنها نصت على أن الكفار إنما فتنوا بعدد أصحاب النار أي خزنتها  وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا  .

ثانيا:

أما الناقور فإنه الصور، وإذا نفخ فيه فقد قامت القيامة، وهو اليوم العسير  فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ  المدثر/8-10

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (19/ 70): " قوله تعالى: (فإذا نقر في الناقور) إذا نفخ في الصور. والناقور: فاعول من النقر، كأنه الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت، والنقر في كلام العرب: الصوت، ومنه قول امرئ القيس:

أخفضه بالنقر لما علوته ... ويرفع طرفا غير خاف غضيض

وهم يقولون: نقر باسم الرجل إذ دعاه مختصا له بدعائه.

وقال مجاهد وغيره: هو كهيئة البوق، ويعني به النفخة الثانية. وقيل: الأولى، لأنها أول الشدة الهائلة العامة. وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في" النمل" 1 و" الأنعام" 2 وفي كتاب" التذكرة"، والحمد لله. وعن أبي حبان قال: أمّنا زرارة بن أوفى فلما بلغ فإذا نقر في الناقور خر ميتا. (فذلك يومئذ يوم عسير) أي فذلك اليوم يوم شديد (على الكافرين) أي على من كفر بالله وبأنبيائه صلى الله عليهم (غير يسير) أي غير سهل ولا هين" انتهى.

وأما أن الفيروس له قرون الخ الهذيان المذكور، فلا علاقة له بتفسير الآية من قريب أو بعيد.

ثالثا:

أما المنع من تسمية الفيروس كورونا لأنه مشتق من القرآن، فهذا كذب وضلال وحمق، والقرآن يكتب بالإنجليزية: (Quraan) وليس (Coran) كما زعم، بل فرض التماثل لم يكن هذا موجبا لمنع التسمية.

والعجب ممن يصدق هذا الهذيان، ويجري خلف كل ناعق، وإلا فإن الأمر واضح، وهذا من جنس تفسيرات الباطنية التي لا تخضع لقاعدة من قواعد التفسير، فلا تعمد على أثر، ولا لغة، بل هو تخرص وظن وتلفيق وقول على الله بلا علم، وذلك من كبائر الذنوب، وقد قرنه الله تعالى بالشرك فقال:  قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ  الأعراف/33.

وقال:  وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً  الاسراء/36

فالواجب الحذر من هذا الباطل، والتحذير منه، وبيان أن القرآن لا يفسر بالرأي فضلا عن العبث والهذيان، وأن فاعل ذلك آثم مجرم في حق نفسه وحق الناس.

وقانا الله الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب