الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

مدرِّس ويعاني من كثرة الهموم والتفكير ويطلب النصح

تاريخ النشر : 21-06-2007

المشاهدات : 48841

السؤال

دائماً مهموم ، أفكر كثيراً ، أقل موقف مؤلم يدمرني ، لا أستطيع النوم في الليل ، أقرأ بعض آيات القرآن لكنني أشعر باختناق ، ماذا تنصحونني ؟ وأعمل مدرساً ، لكنني مكره على هذه المهنة ، وصلت في المرحلة بالتفكير بالسفر وترك عملي وبلدي لأبحث عن عمل في مجالي ويريحني .

الجواب

الحمد لله.


نسأل الله تعالى أن يفرِّج همك ، وأن ييسر أمرك ، وأن يختار لك ما هو خير لدينك ودنياك ، وأما نصيحتنا لك : فهي :
أولاً: ننصحك بتقوية إيمانك ، ويكون ذلك بمحافظتك على الواجبات فتؤديها على أحسن وجه ، وتبتعد عن المنهيات ، وتكف عنها على الفور إن كنت تقترفها ، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .
قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها ، بل لا تسمَّى أعمالاً صالحة إلا بالإيمان ، والإيمان مقتضٍ لها ؛ فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات ، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح :
( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) وذلك بطمأنينة قلبه ، وسكون نفسه ، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيِّباً من حيث لا يحتسب .
( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ) في الآخرة .
( أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) من أصناف اللذات ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة .
" تفسير السعدي " ( ص 448 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ونِعمٌ أخرى يختص بها الإنسان ، وهي الشرائع التي أنزلها الله على الرسل لتستقيم حياة الخلق ؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الخلق أو تطيب حياة الخلق إلا بالشرائع ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) المؤمن العامل بالصالحات هو الذي له الحياة الطيبة في الدنيا ، والثواب الجزيل في الآخرة ، والله لو فتشت الملوك ، وأبناء الملوك ، والوزراء ، وأبناء الوزراء ، والأمراء ، وأبناء الأمراء ، والأغنياء ، وأبناء الأغنياء ، لو فتشتهم وفتشت مَن آمن وعمل صالحاً : لوجدت الثاني أطيب عيشة ، وأنعم بالاً ، وأشرح صدراً ؛ لأن الله عز وجل الذي بيده مقاليد السموات والأرض ، تكفَّل فقال : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) تجد المؤمن العامل للصالحات مسرور القلب ، منشرح الصدر ، راضياً بقضاء الله وقدره ، إن أصابه خير شكر الله على ذلك ، وإن أصابه ضده صبر على ذلك واعتذر إلى الله مما صنع ، وعلم أنه إنما أصابه بذنوبه فرجع إلى الله عز وجل ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( عجباً للمؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سَّراء شكر ، فكان خيراً له، وإن أصابته ضَّراء صبر فكان خيراً له )، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام.
" تفسير جزء عمَّ " ( ص 77 ، 78 ) .
ثانياً: ننصحك بجمع همومك كلها وجعلها همّاً واحداً ، وهو هم الآخرة ، وكيف تلقى ربك وهو عنك راضٍ .
واعلم – يا أخانا الفاضل – أن الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة ، ولو تسوى ذلك ما سقى كافراً شربة ماء ، فمهما بلغت هموم المسلم لهذه الدنيا فهي هموم لدنيا زائلة ، ولو أن المسلم يعلم أن الانشغال بالهم والقلق يسبب له أمراضاً نفسية وبدنية : لتركها على الأقل حفاظاً على صحته ، فكيف إذا علم قبل ذلك أن إيمانه بالقدر يجعله غاية في الطمأنينة ، وأنه لا بدَّ من حصول المقدور ؟ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ : كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا : لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ ) .
رواه ابن ماجه ( 257 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ : جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ : جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ) .
رواه الترمذي ( 2465 ) وأبو داود ( 1668 ) وابن ماجه ( 4105 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همُّه إلا الله وحده : تحمَّل الله سبحانه حوائجه كلها ، وحمَل عنه كل ما أهمَّه ، وفرَّغ قلبه لمحبته ، ولسانه لذكره ، وجوارحه لطاعته ، وإن أصبح وأمسى والدنيا همُّه : حمَّله الله همومها ، وغمومها ، وأنكادها ، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ، ولسانه عن ذكره بذكرهم ، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم ، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره ، كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره ، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته قال تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) الزخرف/ 36 .
" الفوائد " ( ص 84 ) .
ثالثاً: ننصحك أن تغتنم حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وأن تغتنم فراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، فالحياة متقلبة ، وكل يوم يمر في حياتك فأنت تتقدم فيه خطوة إلى قبرك ، وكل يوم يمضي من عمرك لا يرجع ، فانشغاله بالهموم والتفكير يقتل وقتك ، ويتلف بدنك ، ويعجِّل هرمك ، فمتى تؤدي ما أمرك الله به ؟ وما النتيجة التي سترجوها لنفسك بتلك الهموم وتلك التفكيرات ؟ .
رابعاً: ننصحك باستثمار وظيفتك ، فهي وظيفة رائعة ، تستطيع فيها الاستفادة فيها لنفسك ، ولغيرك ، فكم من معلِّم تلتقي بهم كل يوم ، وكم مِن فائدة ونصيحة يمكن أن تكون منك لهم ، وكم من طالب تواجهه في مدرستك كل يوم ، فلمَ لا تستثمر ذلك كله بإشغال نفسك بطاعة الله في الدعوة والتوجيه والنصح ؟ لذا فإننا نصحك باستثمار وظيفتك ، والتوصل بها لتحقيق أهدافٍ سامية عالية .
خامساً: ننصحك بالاستعانة بالله تعالى بدعائه ، وذِكره ، كما علَّمنا ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك :
أ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) .
رواه البخاري ( 5985 ) ومسلم ( 2730 ) .
ب. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ ( يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ) .
رواه الترمذي ( 3524 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا ) قَالَ : فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : ( بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) .
رواه أحمد ( 3704 ) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 199 ) .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الهموم والمشاكل والقلاقل التي تهز الإنسان وتصيبه من الزمن ، فما الأشياء التي تزيل الهموم والغموم التي تصيب المسلم ؟ وهل يشرع أن يرقي الإنسان نفسه ؟ .
فأجاب :
أولاً : يجب أن نعلم أن الهموم والغموم التي تصيب المرء هي من جملة ما يكفَّر عنه بها ، ويخفف عنه من ذنوبه ، فإذا صبر واحتسب : أثيب على ذلك ، ومع هذا فإنه لا حرج على الإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة لزوال الهم والغم ، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي أخرجه أهل السنن بسند صحيح ( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي ) فإن هذا من أسباب فرج الهم والغم .
وكذلك قوله تعالى : ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) الأنبياء/ 87 ، فإن يونس عليه الصلاة والسلام قالها ، قال تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء/ 88 .
ولا حرج أن يرقي الإنسان نفسه ؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه بالمعوذات عند منامه ، ينفث بيديه ، فيمسح بهما وجهه ، وما استطاع من جسده .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 467 ) .
وقد يحاول الشيطان صدك عن القرآن ، وعن الدعاء ، وعن الذِّكر ، فاحذر أن تستجيب لما يوسوس لك به ، واحذر من ترك ذلك إن شعرت بضيق أو اختناق ، واعلم أن الترك ليس هو العلاج ولا الحل ، بل الاستمرار في القراءة ، والمداومة على الأدعية والأذكار هما العلاج والحل لمشكلته بإذن الله تعالى .
سادسا : إذا كنت تشعر بضيق في وقتك الحالي ، فننصحك بأخذ إجازة قصيرة من عملك ، إن كانت ظروفك المادية تسمح بذلك ، يمكنك فيها أن تخفف عنك الهموم والمتاعب ، فإن تمكنت من السفر لزيارة بيت الله الحرام ، في حج أو عمرة ، فسوف تنتفع بذلك إن شاء الله تعالى في حالك ومآلك ، وإن لم تسمح ظروفك بالسفر أو أخذ إجازة فحاول أن تزور صديقا أو قريبا محببا أمينا يرجو لك الخير ويدلك عليه ، فاستأنس به وقتا ما ، ريثما تهدأ نفسك .
وعلى كل حال ، فنحن لا ننصحك بالمرة ، كما أشرنا بترك عملك ، فإن تيسرت لك فرصة للعمل في الخارج ، في مهنة تناسبك ، فهو أمر طيب إن شاء الله ، لكن مع الاحتفاظ بوظيفتك في بلدك ، حتى إذا رجعت إليها لم تكن عالة على غيرك .
سادساً: ننصحك بالاطلاع على كتاب " علاج الهموم " وهو هنا في موقعنا ، وستجد فيها ما يزيل عنك الهم والغم ، ويشرح صدرك ، ويُطمأن قلبك ، بإذن الله تعالى .
/index.php?pg=article&ln=ara&article_id=36

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب