الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

أمها تنهاها عن الحجاب فماذا تفعل ؟

تاريخ النشر : 07-09-2007

المشاهدات : 15395

السؤال

أمي تكرهني ، وصرت أشك في أمرها، أعلم أنك ستقول أنه من عمل الشيطان، وأنا فعلا أذكر نفسي بهذا في كل ثانية، فهي تغضب من كلام وحوار عادي جداً، والله يا سيدي الشيخ أنا لم أقصد في مضايقتها إلا أني أحاول أن أذكرها بتعاليم ديننا ، فهي متبرجة وتعمل في أماكن مختلطة، وأخاف عليها ، وفي نفس الوقت هي تكره لي فعلي للخير، تكرهه كرهاً شديداً، وعندما يضيق بها الأمر تنهار بدون سبب حتى تشعرني بالذنب وتقول أني بنت عاقة وأنها غير راضية عنى، وتبدأ تقول" "أنت واحدة محجبة أنتي؟ أنت واحدة تعرف ربنا" وأبدأ أشعر أن الخير مني بعيد فعلاً لكني فعلاً لم أضايقهم ، واستغفر الله وأذهب لمصالحتهم، لكنها ترفض الحديث معي ، وأنا والله لا أتكبر عليها فكلنا مسلمين ، لكني أريد أن أعرف "غضب الأم من غضب الله " وأخاف فعلاً أي يصيبني مقت من الله عز وجل. قد وصل بي الأمر أني كنت فعلا محجبة من قبل وتركت الصلاة وتركت الحجاب الشرعي بسبب هذا، ولكني الآن تائبة وأخاف أن أقع في هذا مرة أخرى. أنصحني جزاك الله خيراً

الجواب

الحمد لله.


فإن حق الوالدين عظيم فقد قرن الله سبحانه حقهما بحقه فقال جل شأنه : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23
( وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14)
وقد أحسنت أيتها الأخت غاية الإحسان في اعتذارك لأمك ومحاولة مصالحتها وإن لم تكوني أسأت إليها ، فإن أولى الناس بالإحسان إليه وبره والعفو عن إساءته وحسن صحبته .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
( يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
وإساءة أحد الوالدين مهما بلغت لا تبرر للولد أن يقصر في حقوقهما عليه فضلا عن أن يسيء إليهما ، وقد أمر الله عز وجل بحسن صحبتهما ، وإن اجتهدوا غاية الاجتهاد في دعوة الولد إلى الشرك ، فقال سبحانه : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/15 .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/586) : " أي إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا ، أي محسنا إليهما "
فإن كان هذا أدب الشرع مع الوالدين اللذين يأمران ولدهما أن يشرك بالله ، ويجاهدانه على ذلك ، أي يحاولان معه ـ جهدهما ـ أن يقع في ذلك ، فلا شك أن الوالدين المسلمين أولى بالصحبة بالمعروف ، حتى وإن كانا عاصيين ، حتى وإن أمرا ولدهما بمعصية الله ؛ غير أنه ـ أيضا ـ لا يجوز له أن يطيعهما إذا أمراه بالمعصية ؛ كما قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) من حديث علي رضي الله عنه ، واللفظ لمسلم .
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال وإذا خوطب بالجهاد فلا إذن لهما , وكذلك كل الفرائض , لا طاعة لهما في تركها . يعني إذا وجب عليه الجهاد . لم يعتبر إذن والديه ; لأنه صار فرض عين وتركه معصية , ولا طاعة لأحد في معصية الله .
وكذلك كل ما وجب مثل الحج , والصلاة في الجماعة والجمع , والسفر , للعلم الواجب . قال الأوزاعي لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض والجمع والحج والقتال ; لأنها عبادة تعينت عليه , فلم يعتبر إذن الأبوين فيها , كالصلاة , ولأن الله تعالى قال : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ولم يشترط إذن الوالدين " انتهى . المغني (9/171) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين , وهو ظاهر إطلاق أحمد , وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر , فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا , وإنما لم يقيده أبو عبد الله لسقوط الفرائض بالضرر وتحرم في المعصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , فحينئذ ليس للأبوين منع ولدهما من الحج الواجب , لكن يستطيب أنفسهما , فإن أذنا وإلا حج وليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب مع ذي محرم , وعليها أن تحج وإن لم يأذن في ذلك , حتى أن كثيرا من العلماء أو أكثرهم يوجبون لها النفقة عليه مدة الحج . والحج واجب على الفور عند أكثر العلماء , والقول بوجوب العمرة على أهل مكة قول ضعيف جدا مخالف للسنة الثابتة , ولهذا كان أصح الطريقين عن أحمد أن أهل مكة لا عمرة عليهم رواية واحدة , وفي غيرهم روايتان , وهي طريقة أبي محمد وطريقة أبي البركات في العمرة ثلاث روايات ثالثها تجب على غير أهل مكة " انتهى . الفتاوى (5/381) .
وكل ما نوصيك به ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن تحذري من أن يضحك عليك الشيطان مرة أخرى ، ويصرفك عن الطريق الهداية ، والعمل بطاعة ربك ؛ فإن هذا هو مقصوده منك : أن يصدك عن سبيل الله ، وعن الصلاة ؟!!
واعلمي أن ما تلاقينه من المتاعب والمصاعب ، مع والدتك ، أو أسرتك ، أو أصدقائك ومجتمعك : اعلمي أن ذلك كله من ابتلاء الله تعالى لك : ليظهر صدقك مع ربك ، ويتميز الصادق في محبة الله وطاعته من الكاذب . قال الله تعالى : (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت : 1-3 .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن [تمام] حكمته ، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان ، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن ، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه ، فإنهم لو كان الأمر كذلك ، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق ، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ، أو الصارفة عما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقل ومستكثر، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها . " انتهى . تفسير السعدي (626) .
فاحذري ـ يا أمة الله ـ من طاعة الشيطان ، والرسوب في الاختبار ؛ ولتكن زلتك الأولى درسا تلقنتيه ، يحصنك من العودة مرة أخرى عن طريق ربك ، ولتكن توبتك التي ذكرتيها لنا بداية للطريق الصحيح مع ربك ، والصبر على أمره :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران/200.
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب