الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

تقع في الذنب المرة بعد المرة وتظن أن خطيبها من أسباب ذلك

تاريخ النشر : 18-01-2007

المشاهدات : 27939

السؤال

أريد أن أتوب عن بعض المعاصى ، ولكن لا أستطيع ، كل ما أنوى التوبة وأندم على ما فعلت أعود إليها مرة أخرى ، وخطيبي يكاد يكون سبباً في تلك المعاصي ، وكل مرة يعدنى أنه سوف يساعدنى على التوبة ، ولكن بلا جدوى ، فلا أعرف ماذا أفعل ؟ مع العلم أنى محجبة حجاباً إسلاميّاً ، فهل أفسخ خطوبتى أم ماذا أفعل ؟ مع العلم أنه سوف يتم زفافي في خلال شهور ، وأنا أحبه كثيراً وهو أيضاً ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
نسأل الله لك ولخطيبك الهداية ، وأن يمنَّ عليكما بالتوبة الصادقة ، والعمل الصالح ، وأن يجعل منكما نواة أسرة صالحة ترعى حق الله ، وتقيم شرائعه ، وتعظم شعائره .
ثانياً :
بحسب ما ظهر لنا من سؤالكِ فإننا نجد فيك حباً للخير ، وبغضا للشر ، ومن علامات ذلك : التزامكِ بالحجاب الشرعي ، واستياؤك من الرجوع إلى الذنب بعد التوبة منه .
والأمر - يا أختنا - لا يتعلق بشخصٍ نضع عليه حِملَنا بأنه لا يعيننا على الطاعة ، أو أنه لا يكف أنفسَنا عن المعصية ، بل الأمر كله يتعلق بالإنسان وحده وبنفسه الأمَّارة بالسوء ، واستجابة لنزغات الشيطان ، ونحن نريد منك أن تصلحي نفسكِ لتكوني سبب إصلاح زوجك، بل وذريتكِ .
وما تقترحينه من فسخ الخطوبة ليس هو الحل ؛ لأنك متعلقة به ، وهو متعلق بك .
وهل إذا فُسخت الخطوبة سيكون حالكِ مع الله تعالى أحسن ؟ إذا كان الجواب : نعم ، فلمَ لا يكون الأمر كذلك الآن ؟ وأنت لم تتزوجي بعدُ ، فيمكنك الجمع بين التوبة الصادقة والزوج المحبوب إذا رجعتِ إلى دينك حق الرجوع .
ثالثاً :
واعلمي أن التّوبة من المعاصي واجبة شرعاً على الفور باتّفاق العلماء ، قال اللّه تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم/8 .
والتوبة الصادقة النصوح تتعلق بأمرٍ ماضٍ وحاضر ومستقبل ، أما الماضي فهو الندم على ما فعلتِ ، وأما الحاضر فهو الإقلاع فوراً عن المعصية ، وأما المستقبل فهو العزم التام على عدم الرجوع إليها .
قال الشنقيطي رحمه الله :
"التوبة النصوح : هي التوبة الصادقة ، وحاصلها : أن يأتي بأركانها الثلاثة على الوجه الصحيح ، بأن يقلع عن الذنب إن كان متلبساً به ، ويندم على ما صدر منه من مخالفة أمر ربّه جل وعلا ، وينوي نيّة جازمة ألاّ يعود إلى معصية الله أبدا " انتهى .
"أضواء البيان" ( 6 / 206 ) .
رابعاً :
إذا تاب الإنسان توبة نصوحاً ثم ضعفت نفسه واستزله الشيطان وعاد إلى الذنب مرة أخرى لم تبطل بذلك توبته السابقة ، ولكن عليه أن يتوب توبة أخرى من الذنب الجديد ، وهكذا ، كلما أحدث ذنبا أحدث له توبة .
قال الشنقيطي رحمه الله :
"وأظهر أقوال أهل العلم أن من تاب توبة نصوحاً ، وكفَّر الله عن سيئاته بتلك التوبة النصوح ، ثم عاد إلى الذنب بعد ذلك : أن توبته الأولى الواقعة على الوجه المطلوب لا يبطلها الرجوع إلى الذنب ، بل تجب عليه التوبة من جديد لذنبه الجديد ، خلافاً لمن قال : إنّ عوده للذنب نقضٌ لتوبته الأولى" انتهى .
"أضواء البيان: (6/206) .
وليس له أن يترك التوبة والاستغفار كلما وقع في الذنب ، بل ودَّ الشيطان لو ظفر بهذا من العبد العاصي ، حتى يجمع عليه الذنب واليأس من رحمة الله بترك التوبة والاستغفار .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
"قيل للحسن البصري : ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ، ثم يستغفر ثم يعود ؟ فقال : ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا ، فلا تملُّوا من الاستغفار" .
" جامع العلوم الحِكَم " ( 1 / 165 ) .
ونقل ابن رجب الحنبلي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال :
" أيها الناس مَن ألمَّ بذنبٍ : فليستغفر الله ، وليتب ، فإن عاد : فليستغفر الله ، وليتب ، فإن عاد : فليستغفر ، وليتب ، فإنما هي خطايا مطوَّقة في أعناق الرجال ، وإن الهلاك : في الإصرار عليها " .
" ثم قال ابن رجب : ومعنى هذا : أن العبد لا بد أن يفعل ما قدِّر عليه من الذنوب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة ) ولكن الله جعل للعبد مخرجاً مما وقع فيه من الذنوب ، ومحاه بالتوبة ، والاستغفار ، فإن فعل : فقد تخلص من شر الذنوب ، وإن أصرَّ على الذنب : هلك" انتهى .
" جامع العلوم الحِكَم " ( 1 / 165 ) .
خامساً :
الوصية لكِ ، ولخطيبك : أن تكونا على الحال التي يحبها الله تعالى ، ويجب عليكِ أن تنصحيه بما أعلمناكِ به من وجوب التوبة ، وأن تكون نصوحاً صادقة ، واعلما أن العمر قصير ، ولا يدري الإنسان متى يلقى ربّه تعالى ، فليحرص على أداء الطاعات ، وترك المنكرات ، قبل أن تأتي ساعة الندم ، فلا يستطيع تأخير موته لحظة ، ولا الرجوع إلى الدنيا إذا مات وانتهى أجله .
وعليكما أن تتعاونا على الطاعة ، وتتعاهدا على ترك المعصية ، واجعلا وقتكما عامراً بذكر الله تعالى ، وحافظا على أذكار الصباح والمساء ، وعلى النوافل والدعاء ، وإياكما أن يكون زفافكما فيه معصية وغناء ، واختلاط وفحشاء ؛ فإن هذا مما يغضب الرب تعالى .
ونسأل الله عز وجل أن يبارك لكما ، وعليكما ، وأن يجمعا بينكما على خير ، ونسأله تعالى أن يوفقكما لما فيه رضاه .
سادساً :
إن كانت معصيتك هو ما يقع بين الخطيب ومخطوبته من بعض التجاوزات ، فالنصحية لكما أن تعجلا عقد النكاح ، حتى تكوني زوجة له ، ويكون زوجاً لك ، فيحل لكما ما يحل للرجل من امرأته ، والمرأة من زوجها .

والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب