الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

أب يجاهر بفجوره أمام أسرته ولا ينفق عليهم ، فكيف يتصرفون معه ؟

تاريخ النشر : 31-07-2009

المشاهدات : 58131

السؤال

ما حكم الدين في أب له من الأولاد اثنان من سن 15 - 18 ، ولا يصرف عليهم ، ولا على منزله منذ أكثر من عشر سنوات ؛ حيث إن الأم هي المتكفلة بهم ، رغم أنه يعمل ، ويعيش معهم في نفس المنزل ، وقد أفسد في ابنه الصغير 15 سنة ما لا يمكن إصلاحه ، ويقيم علاقات غير شرعية مع سيدات ، ووصل به الأمر إلى إرسال ابنه الصغير لهم بالنقود ، ومحادثتهن أمام أبنائه على الهاتف ، وحيث إنه حاولت أخواته ، والكثير من الأقارب محادثته ، لكنه لا يرضي أن يسمع لأي شخص ، كبير ، أو صغير ، فما حكم المعاملة بينه وبين أبنائه ، وزوجته ؟ .

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

أساء هذا الأب لنفسه حين فرَّط في الأمانة التي أوكل الله تعالى له حفظها ، ورعايتها ، والعناية بها ، فزوجته وأولاده من رعيته التي سيسأله الله تعالى عنها ، حفظها ، أم أضاعها ، والويل له – ولغيره ممن هو مثله – إن لم يتدارك نفسه ، ويرجع إلى دينه ، ويعتني بهذه الأمانة لينجو يوم القيامة من إثم التضييع ، والتفريط .

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ...) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .

وعن مَعْقِلِ بْنِ يسار المُزنيِّ رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ) وفي رواية : (فَلَمْ يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .

ثم إن ذلك الأب لم يكتف بالإهمال في الإنفاق على أسرته – وهو أمر أوجبه الله عليه – بل إنه جعل نفقته تلك على المحرمات من شهواته الدنيَّة ، فبدلاً من إنفاقها على زوجته التي أحلها الله له ، وأوجب نفقتها عليه : جعل تلك النفقة في النساء الساقطات ، وبدلاً من أن يضع المال في نفقة أبنائه : جعله في الفواحش ، والمحرمات .

ثانياً :

الواجب على أسرة ذلك الأب بذل الوسع في نصحه ، ووعظه ، وعدم تركه فريسة للشيطان ، وأن يصحب ذلك تلطف في الأسلوب ، ولين في الكلام ، وها هو إبراهيم عليه السلام يضرب لنا أروع الأمثلة في خطاب الابن الصالح مع الأب الكافر الفظ الغليظ ، فاستمع لإبراهيم عليه السلام يقول لأبيه : (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيّاً . يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً . يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) مريم/ 43 - 45 ، واستمع لرد ذلك الوالد الفظ كيف كان ، (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) مريم/ 46 ، فماذا كان رد الابن الصالح على هذه الغلظة ، وذلك التهديد ؟ (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) مريم/ 47 .

وإننا لنرجو أن يكون استعمال الأسلوب الحسن نافعاً مع ذلك الأب ، مع كثرة الوعظ ، والتذكير له ؛ لأنه يعيش في غفلة مهلكة ، ولا يمكن لمثله أن يكون سعيداً في قلبه ، فلعله يأتيه وقت يجد لكلامكم أثراً طيِّباً في تغيير حاله للأحسن .

 ولا يجوز لأبنائه وزوجته أن يطيعوه فيما حرَّم الله تعالى ، وعليهم بذل الوسع في القضاء على كل طريق يصل من خلالها لارتكاب المحرمات ، وما لا يستطيعونه من ذلك : فلا إثم عليهم فيه وهم غير مكلفين إلا بما في وسعهم .

وإذا لم يُجْدِ النصح معه نفعاً ، وكان له تأثير سيء على أبنائه ، ويُخشى من تعدي السوء إلى أفراد أسرته : فالذي ننصح به هو الانفصال عنه بالكلية ـ إن أمكن ـ ، وخاصة أنه لا ينفق على أسرته ، فليس هناك حاجة للبقاء معه إذا انغلقت طرق إصلاحه ، وأوصدت أبواب هدايته ، بل لا يصدر منه إلا الشر المتعدي لتلك الأسرة .

قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله :

قال الإمام أحمد : يأمر أبويه بالمعروف ، وينهاهما عن المنكر .

وقال أيضاً : إذا رأى أباه على أمر يكرهه : يعلِّمه بغير عنف ، ولا إساءة ، ولا يغلظ له في الكلام ، وإلا تركه ، وليس الأب كالأجنبي .

وقال أيضاً : إذا كان أبواه يبيعان الخمر : لم يأكل من طعامهم ، وخرج عنهم .

وقال أيضاً : إذا كان له أبوان لهما كرم يعصران عنبه ويجعلانه خمراً يسقونه : يأمرهم ، وينهاهم ، فإن لم يقبلوا : خرج من عندهم ، ولا يأوي معهم .

"الآداب الشرعية" (1/476) .

نسأل الله أن يهدي والدهم للحق ، وأن يجمع بينه وبين أسرته على خير .

وانظر – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة : (120070) و (104976) و (95588) و (27281) .

 والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب